لم يكن التفجير الذي هزّ ميناء بندر عباس قبل أيام مجرد حادث عرضي كما حاولت بعض الروايات الرسمية الترويج له في بداياته. بل سرعان ما تكشفت الحقائق، وكشفت معها طبيعة المرحلة الحساسة التي دخلتها المنطقة، حيث بيّنت التقارير الاستخبارية أن ما جرى كان بفعل فاعل، وأن التخطيط له بدأ منذ أسابيع إن لم يكن أشهر، تحت رقابة ومتابعة دقيقة من أجهزة استخباراتية، وعلى رأسها جهاز الموساد الإسرائيلي.
المعلومات الأولية أشارت إلى أن الشحنات التي كانت تصل إلى الميناء قادمة من الصين تضمنت مواد عالية الحساسية، مرتبطة ببرامج تطوير الصواريخ بعيدة المدى، ووقود البلازما المستخدم في الجيل الجديد من الأسلحة الإيرانية. وهذه الشحنات لم تكن تخفى على أعين الرصد الإسرائيلي الذي يعتبر أي تطوير نوعي لقدرات إيران الصاروخية تهديدًا مباشرًا لاستراتيجيته الأمنية.
الموساد، الذي طالما برع في العمليات الدقيقة خارج حدود إسرائيل، كان هذه المرة أكثر جرأة وأوضح رسالة: لن يُسمح بمرور شحنات استراتيجية من دون تدخل. العملية حملت بصمات واضحة في الدقة والتخطيط وطريقة التنفيذ، ما يشير إلى أن إسرائيل قد نقلت المواجهة مع طهران إلى مستوى جديد، يتجاوز التصريحات الإعلامية إلى استهداف مباشر للبنى التحتية الحيوية المرتبطة بالمشاريع العسكرية الإيرانية.
تفجير ميناء بندر عباس، بكل ما يمثله من أهمية لوجستية واقتصادية وعسكرية، هو إعلان غير رسمي عن بداية مرحلة من التصعيد الخفي، حيث يتوقع مراقبون أن تكون هذه العملية مجرد أول الغيث. قادم الأيام قد يشهد استهدافات أوسع لمراكز تصنيع وتخزين الأسلحة، وربما منشآت أخرى مرتبطة بمشاريع إيران النووية والصاروخية، خصوصًا مع تصاعد التوتر الإقليمي والاقتراب من لحظة الحسم في ملفات كبرى.
وقد بدأت بالفعل أولى ردود الفعل الإيرانية الغاضبة، حيث اتهم أحد نواب البرلمان الإيراني في تصريح عاجل تناقلته وكالات الأنباء إسرائيل بالوقوف وراء العملية، مؤكدًا أن “الرد سيكون قاسيًا في الوقت والمكان المناسبين.” هذا الاتهام العلني يعكس حالة الارتباك والغضب داخل الأوساط السياسية الإيرانية، ويفتح الباب واسعًا أمام سيناريوهات التصعيد غير التقليدي، سواء عبر تحريك أذرع إيران الإقليمية أو عبر عمليات انتقامية سرية.
من جهة أخرى، يبدو أن إسرائيل تراهن على عامل المفاجأة والتراكم التدريجي في الضربات، بحيث تتجنب إشعال حرب شاملة، لكنها في ذات الوقت تحرم طهران من الاستفادة من عامل الوقت لتطوير أسلحتها وتحسين موقعها في أي مفاوضات قادمة.
الرسالة الأوضح التي أرادت إسرائيل إيصالها من خلال هذا التفجير أن عصر التغاضي عن الأنشطة الإيرانية قد انتهى، وأن كل شحنة، وكل منشأة، وكل تحرك ميداني مرتبط بتطوير سلاح نوعي، سيكون تحت عين الرصد، وقد يتحول في أي لحظة إلى هدف مشروع.
ومع اتضاح ملامح هذه المرحلة، بات جليًا أن القادم أعظم، وأن المنطقة مقبلة على تصعيد صامت وخطير قد يسبق أي انفجار كبير، حيث تُدار المعركة الآن بأدوات استخباراتية وعبر ساحات غير تقليدية.