رأى المحلل السياسي جورج فريدمان، أن رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، مات بسبب جرعة قاتلة من الثقة بالنفس.
بوتين كان لديه جيشان تحت قيادتين مختلفتين ومتنافستين
وكتب في موقع “جيوبوليتيكال فيوتشرز” أن بريغوجين ارتكب ثلاثة أخطاء.. أولاً، اعتقد أنه قائد كفوء.. ثانياً، حاول الانقلاب على رجل سابق في الاستخبارات السوفياتية كي جي بي تم تدريبه على الارتياب المفرط.. وكان خطؤه الأخير هو الفشل في كل ما حاول، الجدل حول من قتله وكيف قُتل أمر لا مفر منه.
بريغوجين.. الحلم والكابوس
لقد مر ما يكفي من الوقت منذ الانقلاب الفاشل الذي قام به بريغوجين، ليبدو معقولاً استنتاج أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرر السماح له بالعيش، وظهرت نظريات غريبة تدعم ذلك.
وكانت النظرية المفضلة لدى الكاتب أن بريغوجين وبوتين تعاونا على تنظيم الانقلاب.. لم تصل النظرية قط إلى النقطة التي تفسر فيها الأسباب التي دفعت بوتين إلى تنظيم انقلاب ضد نفسه، لكن الإجابة البديهية –أن الانقلاب الظاهر هو مجرد انقلاب– كانت مملة للغاية.
يرجح الكاتب أن قنبلة وضعت على طائرة بريغوجين.. لكن النظرية التي برزت باكراً عن أن صاروخ أرض – جو أسقط طائرته، فتحت إمكانية تحويل اللوم إلى الأمريكيين أو الأوكرانيين.. والمشكلة في هذه النظرية هي أن قيمة بريغوجين وهو حي كانت أكبر منها وهو ميت بالنسبة إليهم.. لقد أخاف بريغوجين بوتين من خلال القيام بانقلاب وصل إلى مسافة 190 كيلومتراً من موسكو، كما أن استمرار وجوده قد يدفع الروس وغيرهم إلى الاعتقاد بأن بوتين فقد حزمه، في وقت لا يستطيع الرئيس الروسي السماح للشكوك بأن تستمر.. إن وجود بريغوجين على قيد الحياة كان كابوس بوتين وحلماً أمريكياً وأوكرانياً.
لماذا انتظر بوتين كل هذا الوقت؟
يعتقد الكاتب أن السبب في ذلك هو أنه عقب الانقلاب، ظهرت تساؤلات حول كفاءة بوتين وسيطرته.. لم يكن بوتين يريد أن يبدو ما حدث وكأنه نجاح قريب، ربما كان ذلك قد دفع رجالاً ونساء مستغرقين في التفكير إلى حساب احتمالاتهم الخاصة.. المسارعة إلى قتل بريغوجين ستفوح منه رائحة الخوف، والسماح له بالإفلات (مع مراقبة كل نفَس يتنفسه) زاد من احتمال أن يكون بوتين قد سمح بطريقة أو بأخرى بالانقلاب، أو على الأقل كان يريده، وأظهر أن بوتين لا يخاف منه.. قللت فترة الانتظار الطويلة من أسطورة بريغوجين وسمحت لبوتين بإجراء مناقشات مؤلمة بعناية مع موظفي بريغوجين السابقين وغيرهم من الأشخاص، الذين سيتخلون عن حذرهم بما أن بريغوجين كان لا يزال على قيد الحياة.
لماذا استدعاه؟
السؤال الأخير الأكثر إثارة للاهتمام هو كيف ولماذا أصبح مقدم الطعام السابق لبوتين رئيساً لقوة شبه عسكرية، تستخدم الولايات المتحدة قوات خاصة مثل بلاك ووتر، لكنها لا تصل أبداً إلى مستوى فاغنر، ولا تعمل وفق سلطتها الخاصة بصرف النظر عما يبدو عليه الأمر.. كانت فاغنر قوة عسكرية كبيرة بحد ذاتها، وهو أمر غريب للغاية بالنسبة إلى قوة كبيرة مثل روسيا، لقد تم استخدام المجموعة في صراعات مختلفة أقل أهمية عندما لم ترغب روسيا في إرسال قوتها الرئيسية، ولكن بعد بدء الحرب الأوكرانية، ركزها بوتين في روسيا ثم في أوكرانيا.
يعتقد فريدمان أن السبب هو عدم ثقة بوتين بهيئة أركانه العامة.. أدت الحرب في بدايتها، مع حشد الدبابات من دون النظر إلى الخدمات اللوجستية مثل الوقود، إلى تعميق قلقه.. كانت القضية صارخة بما فيه الكفاية بحيث أمكن كييف حتى بعد بدء الهجوم الاعتقاد بأن الهجوم من الشمال كان مجرد تشتيت للأنظار، وأن الجهد الرئيسي موجه إلى مكان آخر.. لكن الجيش الروسي هاجم وتعثر على الفور، حاول الجيش الروسي باستمرار الاستيلاء على مدن ليس لها أهمية عسكرية، بدلاً من السعي لكسر قوات العدو.. لقد ترك للأوكرانيين حرية عمل مذهلة.
خطأ بوتين العظيم
أجبر هذا الأداء المبكر بوتين على اتخاذ قرار: الانسحاب أو الاستمرار مع هيئة الأركان العامة، أو إحضار مجموعة فاغنر، وهي مجموعة غير تقليدية ولكن قاسية وأفضل مما كان متاحاً لديه.. وهنا ارتكب بوتين خطأه العظيم، لقد ترك الجيش النظامي في ساحة المعركة بينما قام أيضاً بنشر فاغنر.. في الواقع، كان لديه جيشان تحت قيادتين مختلفتين ومتنافستين.
كما سعت فاغنر أيضاً للسيطرة على المدن بدلاً من محاولة تدمير الجيش الأوكراني.. بشكل حتمي، تنافس الجيش النظامي وفاغنر مع بعضهما البعض على المهام والإمدادات، ما أسعد أعداء روسيا.
لم يقدّر بوتين ما أطلقه ولم يتدخل بشكل حاسم.. كان بريغوجين هو الذي ذهب بعيداً جداً منتقداً هيئة الأركان العامة، وبالتالي بوتين.. وعندما حاول الكرملين أخيراً تقييده، تحرك بريغوجين للقضاء على هيئة الأركان العامة وتولي السيطرة على الأمور، ويشير انقلابه الأخرق إلى أنه لم يكن ليحل أي مشاكل.
رجال الاستخبارات والحرب
الحقيقة البسيطة هي أنه كان لا بد من خوض الحرب، حسب الروس، للحصول على عمق إستراتيجي.. وكانت المشكلة أن القيادة الروسية العليا لم تقم بإعداد الجيش للحرب لأن بوتين، وهو رجل استخبارات، لم يفهم منطق الحرب، وكان يفتقر إلى تخصيص المواد اللازمة أو فشل في تخصيصها، كما افتقر إلى القادة الأكفاء.. لقد سمع فريدمان الشعار التالي: “لا تدع أبداً عبقرياً في الاستخبارات يدير حرباً”.
وختم: “لا أعرف ما إذا كان بوتين عبقرياً، لكنه أدار الحرب كما لو كان يعتقد ذلك.. لقد نجا شخصياً من الفوضى وقتل الرجل الذي شارك في الحرب، وإن كان ذلك بشكل سيء”.