بوتين يحكم قبضته إلى حين تغير الأمور في الكرملين

1

مسيرة بريغوجين باتجاه موسكو أثارت رعب الرئيس الروسي، لكنه تخطاها نتيجة عدم انضمام أي شخصيات كبيرة أخرى للدعوة إلى التغيير

بيتر فرانكوبان  

مع أن التوتر كان سيد الموقف في الكرملين السبت، لم يطالب أحد بإصلاح من أي نوع، ولم يخرج أي كان عن المسار. (غيتي، أ ب)

انتهت الأحداث بالسرعة التي بدأت بها. وكانت مستجدات السبت [الماضي 24 يونيو/ حزيران] تنذر بالشؤم، بعد أن استولى يفغيني بريغوجين ومجموعة “فاغنر” التي يترأسها على مدينة روستوف – دون [المشاطئة لنهر دون]، وبدأ يتقدم نحو موسكو، مما أثار قلق السلطات الروسية.

صدرت أوامر بحفر الطرقات، وبإبطاء مسار قافلة المركبات العسكرية المتقدمة على ما يبدو نحو الشمال، فاصطفت الشاحنات لسد الطرقات السريعة، وأقفلت الساحة الحمراء أمام الزوار مع تشديد الإجراءات الأمنية. إلى ذلك، أقلعت طائرات حكومية نحو بر الأمان على ما يبدو في سانت بطرسبورغ – مع أنه لم يتضح من كان على متنها.

قام الرئيس بوتين بخطوة استثنائية، حيث ظهر عبر أثير التلفزيون السبت وألقى خطاباً متلفزاً طارئاً. وبنظر كل من كان خارج روسيا، بدا واضحاً أنه كان يتحدث عما بدا وكأنه تمرد، أو حتى انقلاب. “نحن في مواجهة خيانة”، قال بنبرة حازمة تخللتها عصبية واضحة. أضاف “يشكل أي تمرد داخلي تهديداً مميتاً لدولتنا ولنا كأمة”. وقال “إنها ضربة ضد روسيا، وضد شعبنا. وسيكون تصدينا لهذا التهديد من أجل الدفاع عن الوطن حازماً [وموجعاً]”.

كما تبين لاحقاً أن ما حصل لم يكن انقلاباً ولا مسعى لإطاحة بوتين أو لاستبدال حكومته، بل كانت محاولة رجل واحد – هو بريغوجين – لشراء تذكرة أمان لنفسه. وهو حقق مبتغاه، أقله في الوقت الراهن. فبفضل تدخل غير متوقع من الزعيم الباطش ألكساندر لوكاشينكو، حصل بريغوجين على مكافأة مريبة، بعد أن سمح له “بالانتقال” للعيش في بيلاروس، موطن نظام من بين أكثر الأنظمة قمعاً [واستبداداً] في العالم.

اقرأ المزيد

ستعتمد إقامة [بريغوجين] في بيلاروس، وفترة بقائه في البلاد، على ما تبقى من مكانته عند بوتين. فمن المستبعد أن بريغوجين، وهو رجل يجيد الأساليب الملتوية واكتسب خبرة طويلة في منظومة السجون السوفياتية الوحشية، لم يفكر في المسألة [من المستبعد أنه لم يحتسب ما بعد خطوته]. وفي الساعات الـ48 الماضية، كثرت التكهنات والتخمينات حول الطبيعة المحتملة لهذا النفوذ [الدالة والمكانة].

وقام بريغوجين بتوجيه رسالة صوتية مطولة استمرت 11 دقيقة الإثنين، قال فيها: “كنا في مسيرة للتعبير عن احتجاجنا […] وليس لإطاحة الحكومة”. وأضاف أن قضيته نبيلة، وأن الهدف منها هو منع إقفال شركة فاغنر في نهاية هذا الأسبوع ودمج مرتزقتها في الجيش الروسي”. وزعم أن غايته كانت نبيلة، فهو أراد تسليط الضوء على شوائب ومكامن ضعف الجيش الروسي، مشيراً إلى أنه كان يمكن الاستيلاء على كييف في غضون يوم واحد لو عاد الأمر إلى فاغنر (بالتالي في عهدته هو).

وحسبان أن الضرر لحق ببوتين جراء الانقلاب الذي لم يتحقق، على ما يرى معلقون كثيرون، ثمة طريقة أخرى لتقييم الأمور ومفادها خلاف ذلك [الضرر].

فمع أن التوتر كان سيد الموقف في الكرملين السبت، لم ينضم أي مسؤول كبير إلى التمرد، ولم يدع أي كان إلى التغيير، ولم يطالب أحد بإصلاح من أي نوع كان، ولم يخرج أي كان على الكرملين. ولهذا كله دلالة كبيرة. ومن الجدير بالذكر أن المقيم الجديد في مدينة مينسك قد يلتزم الصمت والهدوء لفترة طويلة. ومع ذلك، فقد توصل إلى حل لمشكلة بريغوجين، أقله حالياً – مما سيمنح بوتين متنفساً صغيراً.

في الوقت الراهن، تدور المناقشات الأساسية خلف الكواليس ووراء الأبواب المغلقة. ويمكن القول اليوم إن بوتين عرض روسيا لسلسلة أزمات وإن هذه الأزمة هي آخر فصولها.

فعلى وقع تدهور الاقتصاد والضغوط الكبيرة التي ترزح تحتها الشركات الخاصة، ومع النزف الهائل للأدمغة جراء رحيل عدد كبير من الناس إلى خارج روسيا على امتداد السنة ونصف السنة الماضية، وبعد أن أصبح أمد حياة الشبان الروس، البالغ عمرهم 15 سنة، يضاهي ما هو عليه في هايتي، وتعثر اجتياح أوكرانيا، إن لم نقل تراجعه وتقهقره، فالسؤال اليوم يألفه الروس، وفي عين كل من يعرف روسيا من كثب. “ما العمل؟” سأل لينين في مطلع القرن العشرين. واليوم، وبعد الأحداث العاصفة في نهاية الأسبوع الماضي، لسان حال كثيرين آخرين هو هذا السؤال.

© The Independent

التعليقات معطلة.