مقالات

“بوكاهانتس” تشب على البيت الأبيض

يبدو أن حدة المنافسة الانتخابية على رئاسة الولايات المتحدة الأميركية باتت تسبق موعدها، ولكنها في نفس الوقت تأخذ شكلا أشبه بانتخابات نوفمبر 2016 التي فاز بها الرئيس دونالد ترامب على منافسته هيلاري كلينتون، فقبل أيام أعلنت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارين أنها تشكل لجنة لبحث ترشحها لانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2020 ـ بحسب وكالات الأنباء ـ لتصبح أول شخصية ديمقراطية تعلن تحدي ترامب في المنافسات الانتخابية القادمة، ويبدو أنها ستكون المرشح الديمقراطي الأبرز لخوض نهائيات الماراثون الانتخابي أمام منافسها الجمهوري (ترامب).
ثمة شواهد على أرجحية تفضيل الحزب الديمقراطي لوارين، أولها أن الإعلان المبكر ـ قبل أقل من عامين على انتهاء ولاية ترامب الأولى ـ يسمح لها بدعم محاولاتها لجمع تبرعات للحملة الانتخابية، إضافة إلى أن لها تاريخا حقوقيا وأكاديميا جيدا بفضل عملها في جامعة هارفارد، وخبرة سياسية في إدارة الحملات الانتخابية رفيعة المستوى من خلال مشاركتها في حملة انتخابات المرشحة السابقة هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، بجانب الخبرات السياسية في شخصيتها، سواء بمجلس الشيوخ أو في النشاط الحزبي أو في المهام الانتخابية، كما صنفت أنها ضمن أفضل 20 شخصية أميركية تقدمية؛ لكن هناك سببا قويا يعزز هذه الفكرة وهو هجوم ترامب عليها دون مبرر؛ فوصفها في تصريحاته الإعلامية بأنها “بوكاهانتس زائفة” ـ وبوكاهانتس هي ابنة زعيم قبيلة من الأميركان القدماء الأصليين ـ وتحداها أن تخضع لتحليل للحمض النووي، واشتدت حمية الهجوم عليها من البيت الأبيض بداعي أنها تنتمي لأصول ليست لسكان الولايات المتحدة الأصليين.
كل هذا يدور في نطاق المقبول سياسيا؛ لكن ما سبب إصرار الحزب الديمقراطي على الدفع بامرأة إلى سدة الحكم في السنوات الأخيرة رغم فشله مسبقا بخسارة كلينتون أمام ترامب؟
باعتقادي أن أبرز الدوافع هو إعادة إحياء منظومة القيم السياسية الأميركية أمام العالم الخارجي، والتي فشل فيها الرئيس الأسبق باراك أوباما رغم الكاريزما التي كان يتمتع بها وقصة كفاح عائلته من إفريقيا حتى البيت الأبيض، أضف إلى ذلك إخفاقات الجمهوري جورج بوش الابن بتبني سياسة الحروب، ومن بعده ترامب الذي صدر صورة نمطية عن لهث الإدارة الأميركية خلف المال، وربما يرى الحزب أن المرأة قادرة على تقديم صورة أجمل للعالم عن الولايات المتحدة بحكم التكوين النفسي والسيكولوجي بجانب بعض الأفكار التقدمية التي تتمتع بها اليزابيث وارين.
ربما كانت هيلاري كلينتون قريبة من الفوز في انتخابات 2016 لكن الجمهوريين أسقطوها من خلال تركيز حملة ترامب على أمرين هما: مساوئ إدارة زوجها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وبعض إخفاقاتها أثناء تمثيلها الخارجية الأميركية في إدارة أوباما، لا سيما أزمة مسح رسائل البريد الإلكتروني عقب مغادرتها وظيفتها، فيما تعتبر اليزابيث وارين خامة جديدة صلدة غير قابلة للطعن في ماضيها السياسي.
بعدما وصلت المرأة لسدة الحكم في دول أوروبية مثل بريطانيا وألمانيا بل وحتى في الكيان المحتل منذ سنوات، باتت الولايات المتحدة في مهمة للدفاع عن مبادئها الداخلية والخارجية وتبنيها لمبدأ المساواة وفرص تولي امرأة رئاسة البيت الأبيض، وركز الديمقراطيون على هذا الأمر ليكونوا أصحاب المبادرة لتنصيب أول امرأة على رئاسة أميركا، وهذا ما يسمح لهم بكسب تعاطف قطاعات عريضة من الشعب الأميركي وكذا في دول كثيرة بمختلف قارات العالم.
قوة حجة وارين في مواجهة الانتقادات والتعامل معها يجعلها مؤهلة لأرفع منصب سياسي أميركي، ففي الوقت الذي هاجمها ترامب “بعنصرية” وتهكم عليها مطالبا بعمل كشف (DNA) لبيان أصولها، قبلت وارين التحدي وأجرت فحص الحمض النووي في أكتوبر الماضي، وانحازت نتائج التحليل الذي نشرته وسائل الإعلام الأميركية إلى أنها “تدعم بشدة” أنها تعود لسكان أميركا الأصليين، بل ونشرت اليزابيت مع نتائج التحليل فيديو يناقش أصدقاءها وأقاربها حول تراثها، وقالت إنها “تقدم فرصا لكل الأميركيين”.
بحسب العرف الأميركي السائد فإن فرص فوز الحزب الديمقراطي تبدو أكبر في انتخابات 2020 في ظل إخفاقات ترامب في قضايا محلية وعالمية وصداماته المتكررة مع أجهزة الدولة، وهو ما يمنح اليزابيت أفضلية نسبية في مواجهة الاقتراع، ويبدو الحزب وكأنه يكرس مبادئ “الفرصة” و”المساواة” بعدما قاد هيلاري كلينتون إلى الرمق الأخير من الانتخابات وخسرت بفارق ضئيل عن ترامب بحكم الاحتكام لأصوات المجمع الانتخابي بعدما حصدت كلينتون أصوات ناخبين أكثر من ترامب.
بخلاف النقاط التي تم ذكرها، وبحسب سياسة “انتهاز الفرص” فإن وارين أصبحت فعليا “بوكاهانتس” تشب على المقعد الأفضل في البيت الأبيض، وتبدو اليزابيث مؤهلة جيدا لانتزاع فرصة تاريخية، لتكون أول امرأة تصل لمنصب سيناتور في ولاية ماساتشوستس، وأول أكاديمية تحكم أميركا ـ حال فوزها، وأول امرأة تعتلي مقعد رئاسة البيت الأبيض.

أيمن حسين كاتب
مصري وباحث اقتصاد وعلوم سياسية