بيرس بروسنان: إذا أرادوا جيمس بوند سبعيني فأنا جاهز

2

النجم الإيرلندي الذي لعب دور العميل 007 في مطلع الألفية، يتأمل في حواره مع “اندبندنت” مسألة التقدم في العمر، والاحتجاج السياسي، كذلك يكشف خفايا لهجته المربكة في مسلسل “أرض العصابات”

ملخص

بعد ثلاثة عقود على تجسيده جيمس بوند، يعود بيرس بروسنان في السبعين من عمره بدور محقق متقاعد في فيلم “نادي الخميس لحل الجرائم”، متأملاً مسيرته الطويلة ونضجه الفني، ومؤكداً أن التمثيل والنشاط الإنساني ما زالا يمنحانه الشغف ذاته رغم تقدمه في العمر.

قبل ثلاثين عاماً، قدم بيرس بروسنان نفسه في شخصية العميل 007 من خلال قفزة مذهلة من فوق سد إسمنتي شاهق، في واحدة من أروع افتتاحيات سلسلة أفلام “بوند” في فيلم “العين الذهبية” GoldenEye. اليوم، في سن الثانية والسبعين، يدخل المشهد بهدوء أكبر، لكنه ما زال يحتفظ ببرودة أعصاب العميل الأنيق نفسه: بذلة كحلية مفصلة بعناية، شعر فضي ينساب بلمعان، وخطوات واثقة لرجل يعرف تماماً كيف يملأ حضوره المكان من دون أن يطغى عليه.

في عام 1995، انضم إلى سلسلة سينمائية وُلدت من نجاح عالمي لروايات شهيرة. واليوم يتكرر المشهد مع ظهوره في “نادي الخميس لحل الجرائم” The Thursday Murder Club، المقتبس عن أولى روايات ريتشارد أوزمان الأكثر مبيعاً. تحولت هذه السلسلة إلى ظاهرة في أدب الجريمة: أربعة متقاعدين يحققون في الجرائم، مبيعات بأرقام فلكية، وتصاحبها بالضرورة انتقادات تتهمها بأنها ترسم صورة برجوازية مفرطة المثالية لبريطانيا. يرد بروسنان على ذلك قائلاً: “هذا كلام فارغ”.

تجري أحداث الرواية الأولى، الصادرة عام 2020، في قرية تقاعدية راقية بمدينة خيالية تُدعى فيرهفن. هناك أسس أربعة من النزلاء “نادٍ لحل الجرائم”، حيث يجتمعون أسبوعياً لنبش قضايا غامضة من الماضي، إلى أن تقع جريمة قتل عند عتبة دارهم، فيجدون أنفسهم أمام ألغاز أقرب بكثير مما تخيلوا.

 

بالطبع، ما يثير استياء بعض الناس هو لمحة من الامتياز المادي الراقي، يقول بروسنان متنهداً بلهجته الإيرلندية الأنيقة: “أعتقد أن هذا التوجه فيه شيء من عدم الدقة… أقصد أن الأمر يتعلق بالترفيه، ونريد أن نبهر الجمهور. نريد أن نأخذهم في رحلة، وأن يخرجوا من التجربة بشعور رائع حيث يقولون ’أريد أن أكون هنا عندما أكبر. أريد أن أشيخ بهذه الطريقة‘”.

استلهم أوزمان فكرة الرواية من القرية التقاعدية التي تعيش فيها والدته بريندا، حيث كان يلاحظ خلال زياراته “انطلاقاً من كوني عاشقاً لـ أغاثا كريستي، أن هذا المكان سيكون رائعاً لحدوث جريمة قتل”. رفع الفيلم الرهان، وحول البيئة إلى نسخة أكثر رفاهية، مع قرية ألدبري الجميلة في هارتفوردشير بديلاً عن فيرهفن، واتخاذ القصر الإليزابيثي “إنغلفيلد هاوس” المترامي الأطراف في بيركشير ليجسد قرية تقاعدية تحمل اسم “كوبرز تشيس”.

كما تعكس قوة النجوم على الشاشة ثقة المنتجين التامة بأن الجمهور سيحرص على متابعة قصة أوزمان الدرامية. يجسد أعضاء نادي حل الجريمة كل من: هيلين ميرين بدور الجاسوسة السابقة إليزابيث بست؛ بن كينغسلي بدور الطبيب النفسي المتقاعد إبراهيم عارف؛ سيليا إيمري بدور الممرضة السابقة جويس ميدوكروفت؛ وبروسنان بدور زعيم النقابة السابق رون ريتشي، والمشجع المتعصب لفريق ويست هام.

يواكب الفيلم أيضاً توجه الدراما المخصصة لكبار السن، التي حققت نجاحات كبيرة خلال العقد والنصف الماضيين، من مسلسل “آخر رقصة تانغو في هاليفاكس” Last Tango in Halifax إلى فيلم “فندق بست إكزوتيك ماريغولد” The Best Exotic Marigold Hotel الصادر عام 2011. وبروسنان متصالح تماماً مع تقدمه في العمر، حيث يقول: “لقد أصبحت متقاعداً… ينضج الإنسان مع مرور سنواته، وهذا بحد ذاته هبة. إنه شعور رائع أن تبلغ الثانية والسبعين وقد خضت مسيرة مهنية وما زلت تجد فرص عمل.” ويصف فترة تصوير الفيلم بأنها “صيف رائع” بالنسبة له.

لقد استمتع أيضاً بشخصية “ريد رون” بشكل كبير (على رغم أنه حلق لحيته التي أطلقها من أجل الدور). يقول بروسنان: “هناك جوانب كثيرة تربطني بـ رون… فهو خرج إلى الخنادق يقاتل من أجل قضية ما. أنا كممثل، خرجت وفعلت الشيء ذاته في مجال النشاط البيئي. أعلم تماماً ما تعنيه مواجهة ’السلطة‘، والمشاركة في الاحتجاج، وأن تكون جزءاً من الجهد المبذول لخدمة الآخرين وبيئتنا، سواء كانت المحيطات أو الغابات القديمة.”

وعندما حاولت الاستفاضة في هذا الموضوع، وجه بروسنان حديثه ليقول لي أن أبحث عنه على الإنترنت، موجهاً انتقاده إلى أبناء جيل الألفية مثلي والجيل زد الذي جاء بعده، مستنداً إلى كل تقارير إخبارية توثق اعتقال أشخاص في الثمانين من عمرهم خلال التظاهرات الداعمة لغزة.

وأضاف: “هذا الجيل لا يحتج بما فيه الكفاية. يبدو أنه فقد صوته في التعبير عما يحدث، سواء في السياسة أو البيئة أو الحياة بشكل عام. القيود اليوم صارمة جداً، ويمكنك أن تشعر بقيد السلطة. ومع ذلك، أعتقد أنه إذا حافظ المرء على الأمل والإيمان، فسيتأرجح الميزان مرة أخرى نحو توازن مليء بالكرامة والتعاطف بين الناس”.

وعلى صعيد أعمق، ينبع هذا الإيمان بالنضال من قلب حديدي. فقد شق بروسنان طريقه المهني من دون امتيازات تسهل الطريق أمامه. كذلك حرره التمثيل من طفولة مليئة بالصعوبات. ولد في دروغيدا على الساحل الشرقي لإيرلندا، على بعد ثلاثين ميلاً من دبلن، وقضى معظم سنواته الأولى مع جديه في نافان القريبة، بعد أن تخلى والده عن العائلة وهو رضيع. انتقلت والدته إلى إنجلترا كعاملة مهاجرة لبناء حياة جديدة كممرضة، ثم تزوجت من جديد وأحضرت ابنها للانضمام إليها قبل وصوله إلى سن المراهقة بقليل.

ذكر لاحقاً أن حياته في نافان كانت “انعزالية إلى حد ما”، لكن جذوره بقيت ذات أهمية كبيرة بالنسبة له؛ أما تجربته في لندن فكانت مليئة بالتنمر في المدرسة، وعلمته أن يقف على قدميه، على رغم أن الدرس كان مكلفاً. عام 2006، قال في حديث مع “اندبندنت”، “غادرت المدرسة وأنا في الخامسة عشرة من عمري، أشعر بعجز كبير، وأنني غير متمكن حقاً من الناحية التعليمية”.

فكر في أن يصبح فناناً تجارياً، موضحاً: “أحب الفن؛ أنا رسام”، لكن التمثيل فتح أمامه مساراً جديداً. وكان صموده عاملاً حاسماً أثناء كفاحه للارتقاء من المسرح الإقليمي إلى أدوار صغيرة في السينما والتلفزيون، مثل دور “الضحية الأخيرة” في مسلسل “منزل هامر المرعب” Hammer House of Horror، و “أول رجل إيرلندي” في فيلم “الجمعة العظيمة الطويلة” The Long Good Friday، حيث لا يمكن نسيان مشاهده وهو يتخطى أحد رجال بوب هوسكينز في حوض السباحة قبل أن يطعنه بين أضلاعه.

وعندما قرر تجربة حظه في الولايات المتحدة، استثمر بروسنان وسامته وطريقة تصرفه الأنيقة ليحصل على دور بطولة (أو لنقل ما يشبه دور البطولة) في 94 حلقة من مسلسل التحقيقات المبتكر “ريمنغتون ستيل” Remington Steele بين عامي 1982 و1987.

وضعه هذا النجاح على لائحة المرشحين لتجسيد شخصية بوند، لكنه لم يستطع فسخ العقد الذي كان ملتزماً به آنذاك كي يتمكن من تمثيل الدور خلفاً لـ روجر مور في عام 1986. حينها تولى تيموثي دالتون المهمة، لكن عندما أعيد إطلاق السلسلة في عام 1995 بعد نزاع قانوني استمر ست سنوات، استغل المنتجون انتهاء عقد دالتون لإسناد الدور إلى بروسنان الأصغر سناً، وكانت النتيجة ناجحة ومثمرة.

مع نفاد روايات إيان فليمنغ الأصلية، كانت أفلام بوند تتراجع تدريجاً وتفقد بريقها. لكن بروسنان وفيلم “العين الذهبية” أعادا الحياة المشرقة للسلسلة، بطريقة مشابهة لما فعله “كازينو رويال” Casino Royale مع دانيال كريغ، ومن المرجح أن السلسلة ستحتاج إلى نفس التجديد في مرحلة ما بعد بوند. في تغريدة ساخرة، مازح الفنان الكوميدي ريكي جيرفه بأنه قد يتولى الدور بنفسه، وهو أمر يفكر بروسنان في استكشافه، مشيراً إلى أن “التمثيل في هذا الدور يتطلب صلابة كبيرة، لأنك لن ترضي الجميع أبداً”.

شارك بروسنان في أربعة أفلام ضمن السلسلة، هي “الغد لا يموت أبداً” Tomorrow Never Dies (1997)، و”العالم لا يكفي” The World Is Not Enough (1999)، و”مُت في يوم آخر”Die Another Day (2002) بعد “العين الذهبية” وقبل أن يحل مكانه دانيال كريغ بعمر52 عاماً، من دون أن يظهر عليه أي شعور بالاستياء. (قال عن كريغ: “كان دانييل جيمس بوند رائعاً ومذهلاً، بوند عظيماً بحق”)

لكن لم تكن هذه نهاية المشوار بالنسبة لـ بروسنان. أداؤه الواعي لذاته في النسخة الجديدة من فيلم “قضية توماس كراون” The Thomas Crown Affair عام 1999، التي صدرت قبل أشهر من آخر مشاركة له في شخصية جيمس بوند، حافظ على تألقه مع مرور الزمن بفضل بريقه الذكي. (لم يعد مشاهدته من يوم الافتتاح، لكن أعتقد أن عليه القيام بذلك فعلاً).

مهد هذا الفيلم الطريق أمام مسيرة ما بعد العميل 007، والتي شملت أعمالاً مستقلة محبوبة مثل The Matador القاتل الماهر (2005)، “الشبح” The Ghost (2010)، وأفلاماً ضخمة مثل “مامّا ميا” Mamma Mia! (2008) وجزء التتمة الذي جاء بعد 10 سنوات، وهذه السنة ضمن سلسلة العصابات الناجحة “أرض العصابات” Mobland للمؤلف غاي ريتشي – على رغم أن العمل أثار ضجة على الإنترنت بسبب لهجة مقاطعة كيري الإيرلندية التي يتحدث بها بروسنان. كان ينوي أداء الدور بلكنة سكان جنوب لندن، لكنه أخبرني أنه في يوم التصوير جاء “[غاي] وقال فجأة ’لا، اجعلها إيرلندية‘”، وكان أمامه عشرون دقيقة للتكيف مع القرار.

يقول بروسنان: “لكن لهجتي الإيرلندية خفيفة وغير واضحة، بينما لهجة سكان كيري قوية جداً”، مضيفاً أنه اتصل بمدرب اللهجات الخاص به، بريندان غان، “رجل رائع وفنان يعيش في بلفاست، وطلبت منه أن يعلمني لهجة كيري. فقال ’حسناً، سأرسل لك رابطاً لفيديو على يوتيوب‘”. شكل ذلك صدى عاطفياً بالنسبة له، حيث يوضح: “والدي، توم بروسنان، الذي لم أعرفه أبداً، كان من كيري. كان هناك نوع من الحدس والغريزة، فانطلق لساني مباشرة بلهجة كيري”.

في الوقت نفسه، كان صديقه القديم، المخرج كريس كولومبوس، يحفزه على الانضمام إلى “نادي الخميس لحل الجرائم”، بعد أن كان المخرج الذي أشرف على عمله سابقاً في فيلم “مدام دواتفاير” Mrs Doubtfire، حيث يتذكر لقاءه الغريب بـ روبن ويليامز (“كان يرتدي قميصاً بنقوش هاواي وبنطالاً قصيراً، كانت ذراعاه وساقاه مشعرة، ورأسه بهيئة مدام داوتفاير”). لاحقاً، عمل معه أيضاً في فيلم “بيرسي جاكسون ولص البرق” Percy Jackson and the Lightning Thief. ويبدو أن كولومبوس وبروسنان على وشك خوض مشروع جديد يمكن أن يتحول إلى سلسلة طويلة الأمد. تصل سلسلة أوزمان هذا العام إلى الرواية الخامسة مع صدور “القدر المستحيل” The Impossible Fortune في سبتمبر (أيلول).

ومع ذلك، لا يمكنني مقاومة شعور أن بروسنان يستحق تجسيد جيمس بوند مرة أخرى. يعبر عن رغبته في رؤية جزء جديد على غرار “سمكري، خياط، جندي، جاسوس” Tinker, Tailor, Soldier, Spy، مع ظهور للعميل 007 في السبعينيات من عمره. سألته: “هل يمكن أن يكون هو المفاجأة التي تحتاجها السلسلة؟” أجاب: “حسناً، هذا سؤال جيد… للمفارقة، قال ريتشارد أوزمان الشيء نفسه هذا الصباح، على رغم أنني لا أعرف ريتشارد جيداً، لكنه تغنى بحماسة لفكرة أن أكون بوند الشائب”. يبدو أنه يحب الفكرة. يقول مبتسماً: “هذا ممكن جداً … إذا احتاجوني يعرفون أين يجدونني”.

فيلم “نادي الخميس لحل الجرائم” متاح للمشاهدة الآن عبر منصة “نتفليكس”.

التعليقات معطلة.