أثارت رئيسة مجلس النوّاب الأميركيّ نانسي #بيلوسي مخاوف واسعة حين زارت جزيرة #تايوان الشهر الماضي على الرغم من التهديدات التي أطلقتها #الصين. اليوم، تزور بيلوسي #أرمينيا بدون ضجّة مع انشغال #روسيا بحربها في #أوكرانيا.
صحيحٌ أنّ روسيا لا ترى أرمينيا جزءاً من أراضيها كما تفعل الصين مع تايوان. لكن على الأقل، هي ترى في تلك البلاد امتداداً طبيعياً لفضاء نفوذها التقليديّ بما أنّها كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي. علاوة على ذلك، ترتبط #موسكو و#يريفان بمعاهدة أمنية. يبرّر ذلك طرح تساؤلات عن احتمال أن تكون زيارة بيلسوي تمهيداً لانقلاب مشهد التحالفات في المنطقة.
وتأتي الزيارة بعد اشتباكات جديدة اندلعت مطلع الأسبوع المنصرم بين #أذربيجان وأرمينيا اللتين سبق أن خاضتا حرباً في خريف 2020 حول إقليم #ناغورنو كراباخ انتهت بفوز أذريّ قلبَ مكاسب أرمينيا بعد حربهما الأولى (1988-1992). ويبدو أنّ وقف إطلاق النار الذي رعته روسيا منذ عامين لم يصمد طويلاً على الرغم من إرسالها نحو ألفي جنديّ للإشراف على التهدئة. وتبادلت يريفان وباكو الاتهامات ببدء القصف يوم الثلاثاء الماضي. أدّت الاشتباكات الأخيرة إلى سقوط أكثر من مئتي قتيل. قالت أرمينيا إنّها فقدت ما لا يقلّ عن 135 جندياً بينما أعلنت أذربيجان أنّها فقدت 77. بالمقارنة، أدّت حرب 2020 إلى فقدان 6500 شخص حياتهم بينما سقط نحو 30 ألف ضحية في الحرب الأولى.
ماذا تريد بيلوسي؟
يرى مراسل الشؤون الأمنية لمجلة “بوليتيكو” أليكس وارد أنّه مع توقع خسارة الديموقراطيين مجلس النواب في الانتخابات النصفية المقبلة، تريد بيلوسي أن ترسم إرثاً خاصاً بها كمدافعة عن حقوق الإنسان حول العالم (إضافة إلى يريفان وتايوان، زارت بيلوسي كييف في أيار). كما أنّ المجتمع الأميركيّ-الأرمينيّ اشتكى من حصول أوكرانيا على اهتمام أميركيّ أكبر بكثير من ذاك الذي حصلت عليه أرمينيا.
بيلوسي هي أرفع مسؤول أميركيّ يزور أرمينيا منذ استقلال البلاد سنة 1991. وقالت إنّ زيارتها هي “أقوى رمز إلى التزام الولايات المتحدة الثابت بأرمينيا مسالمة، مزدهرة وديموقراطيّة، ومنطقة قوقاز مستقرّة وآمنة”. ويرافقها في الزيارة التي تمتد على مدى ثلاثة أيام النائب فرانك پالون والنائبتان من أصول أرمينيّة جاكي سباير وآنا إيشو إضافة.
لماذا لا تدافع روسيا عن أرمينيا؟
خلال حرب ناغورنو كراباخ سنة 2020، كانت حجّة الروس لعدم التدخل هي أنّ المعاهدة الأمنيّة (1997) تلزم موسكو بالدفاع عن حليفتها إذا طال الاعتداء الأراضي الأرمينيّة. الإقليم تقطنه غالبيّة أرمينيّة لكنّه تابع للأراضي الأذريّة بحسب نظرة المجتمع الدولي. اليوم، تقول يريفان إنّ الجيش الأذريّ دخل أراضيها الخاصة. رئيس هيئة الأركان في الجيش الأرمينيّ إدفارد أسريان أشار إلى أنّ القوات الأذريّة توغّلت ما بين كيلومتر وسبعة كيلومترات في بعض المناطق الأرمينيّة.
لكنّ انشغال روسيا في حرب مكلفة على أوكرانيا حرمها على الأرجح من إمكانية التدخل. كذلك، طوّرت روسيا علاقات تجارية وعسكرية متينة مع أذربيجان التي تمكنت من شراء أسلحة روسية بفعل ثروتها النفطية. لذلك تحاول موسكو الإبقاء على مسافة متساوية من الطرفين. ويوم الجمعة، التقى الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين بنظيره الأذريّ إلهام #علييف على هامش أعمال قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” التي استضافتها سمرقند. غير أنّ تأثير موسكو يبدو متآكلاً حالياً في القوقاز بالمقارنة مع ما قبل غزو أوكرانيا.
أجرت روسيا وساطة سريعة الثلاثاء لإنهاء الاشتباكات سرعان ما انهارت بعد ساعات. وتقول “نيويورك تايمس” إنّ الأميركيّين هم من أعادوا تثبيت الهدنة في وقت لاحق. مجلس الأمن الأرمينيّ لفت النظر إلى انتهاء أعمال العنف “بفضل وساطة دولية”. لكنّ بوتين قال الجمعة إنّ معظم الفضل في وقف الاشتباكات الخميس يعود إلى موسكو. وعاد رئيس البرلمان الأرمينيّ آلان سيمونيان ليؤكّد في مؤتمر صحافيّ مشترك مع نظيرته الأميركية أنّ أعمال العنف انتهت بفضل وساطة من واشنطن بعد فشل التوصّل إلى هدنة بوساطة روسيّة.
وإلى جانب فرنسا وروسيا، تشارك الولايات المتحدة في رئاسة “مجموعة مينسك” للوسطاء والتي رعت محادثات بين باكو ويريفان لفترة طويلة برعاية “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا”.
حماسة أرمينيّة
بدأ الاهتمام الأميركيّ بأرمينيا يرتسم مع وصول جو #بايدن إلى البيت الأبيض. في نيسان 2021، سجّل بايدن اسمه كأوّل رئيس أميركيّ يعترف رسميّاً بالإبادة التي تعرّض لها الأرمن على يد السلطنة العثمانية. وتنفي تركيا تورّط السلطنة بأعمال إبادة قائلة إنّ ما حصل هو قتل متبادل خلال الحرب. قبل زيارتها تايوان، قال بايدن إنّ الجيش الأميركيّ لا يعتقد بأنّ توجّه بيلوسي إلى الجزيرة “فكرة سديدة” في محاولة لإظهار تباين ضمنيّ بين البيت الأبيض ورئاسة مجلس النواب حول الموضوع. لكن أغلب الظنّ أنّ زيارة أرمينيا حصلت، بالحدّ الأدنى، بدون اعتراض من بايدن.
قد تنظر الولايات المتحدة إلى تراجع الدور الروسيّ في القوقاز كفرصة لملء الفراغ هناك خصوصاً مع الامتعاض الأرمينيّ من تلكّؤ موسكو في المساعدة. قال أمين عام مجلس الأمن الأرمينيّ آرمن غريغوريان إنّ حكومته كانت غير راضية عن الرد الأمنيّ للتحالف مشيراً إلى أنّها توقّعت تلقي عرض بـ”دعم عسكريّ وعسكريّ-سياسيّ لحماية سيادة أرمينيا”. وكانت الأخيرة قد طلبت الدعم من روسيا وكذلك من “منظّمة معاهدة الأمن الجماعيّ” التي تقودها موسكو. واكتفت المنظّمة بإرسال وفد ليل الخميس إلى أرمينيا.
توقّع المحلّل السياسيّ الأرمينيّ سورن سركسيان في حديث لموقع “إذاعة أوروبا الحرة” أن تكون الزيارة “مهمة جداً” بحيث ستحصل أرمينيا على “دعم ديبلوماسيّ قويّ” من واشنطن. وأضاف: “بالتحديد وسط الاعتداء ضدّ أرمينيا، يمكننا أن نظهر للعالم أنّ القيادة السياسيّة للولايات المتحدة توجّه رسالة لا إلى أرمينيا وحسب بل أيضاً إلى الحكومة الأذريّة”.
بالفعل، شجبت بيلوسّي تصرّفات باكو وحمّلتها مسؤولية “الهجمات المميتة وغير المشروعة” على “الأراضي الأرمينيّة”.
سياسة أميركيّة جديدة؟
من المبكر الحديث عن دعم أميركيّ مباشر لأرمينيا في مواجهة أذربيجان. يمكن أن تخشى أميركا من أن يؤدّي انحيازها إلى جانب يريفان من فقدان قدرتها على الوساطة بين الطرفين. وعلى صعيد أوسع، تحتاج الولايات المتحدة لكي تواصل باكو تصدير الغاز إلى أوروبا من أجل مواجهة خفض الإمدادات الروسيّة من الطاقة بسبب غزو أوكرانيا. وقد تخشى واشنطن من أنّ الضغط على باكو سيرميها أكثر في أحضان روسيا مع زيادة العلاقات التجاريّة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.
إذا كانت بيلوسّي قد أثارت الجدل والمخاوف بشأن زيارتها تايوان فزيارتها أرمينيا ستثير بالتأكيد تكهّنات عمّا إذا كانت تعبّر عن سياسة أميركيّة أكثر تجرّؤاً في القوقاز أم عن مجرّد محاولة فرديّة لتعزيز وضع حزبها الشعبيّ قبل الانتخابات النصفيّة.