علي علي
في ألاعيب وبهلوانيات ليست بجديدة، مازال سيرك البرلمان العراقي يمارس فقراته الاستعراضية بجدارة منقطعة النظير، إذ مافتئ النواب -ورئيسهم- يأتون بالأنماط الكلاسيكية والقوالب الجاهزة لاجتماعاتهم، ولم يعد مستغربا ما تثمره تلكم الاجتماعات -إن أثمرت- وماتطرحه من نتاجات تكاد تكون عقيمة، او ليس لها التأثير المتوخى، والذي كان يتمناه المواطن المثقل بجراحات الحكام السابقين والأنظمة التي تحكمت بمصيره عقودا.
فقد تعودنا جميعا على مواقف أعضاء المجلس -فضلا عن رئيسه طبعا- التي تتكرر دوما، حتى باتت سمة من سماتهم، وعلامة شاخصة من علائمهم، وأصبحنا نعزو أية مشاكسة تحدث تحت قبة المجلس الى (زيد وعبيد) من الجمع الذي يحضر الاجتماع، حتى وإن كان زيد او عبيد غائبين. الأمر الذي يذكرنا بمسلسل (تحت موسى الحلاق) وتحديدا (عبوسي) المشاكس في صفه، إذ كانت تعلق على شماعته فوضى الصف حتى في حال كونه غائبا. وهو حال مجلسنا الذي تتراوح أغلب اجتماعاته بين التأجيل والتأجيج، والعراك والنطاح، والشقاق والنفاق، وفي الأحوال كلها هناك تأخير ليس هذا أوانه، ولايخدم العملية السياسية ولا المواطنين بشرائحهم كافة، ولا البلد ولا (الشرفاء) من السياسيين وقادة العملية السياسية. ويبقى المستفيد الوحيد من هذا التلكؤ والتأخير، هو الذي يعزف على وتر جراحات الشعب ومصائبه، وضياعه بين شظف العيش وغول الفساد بأنواعه، وتردي الأوضاع الأمنية والبنى التحتية والخدماتية.
فهل وضع هؤلاء سقفا زمنيا ليكفوا تسويفهم بالوقت وتلاعبهم بمصائر الملايين؟ أم أن سباقهم الماراثوني جارٍ على قدم وساق الى إشعار غير مسمى! وهل هم عالمون ان كل متسابق له من النتائج اثنتان لاغيرهما، فأما النجاح وأما الخسارة، إلا سباقهم فجميعهم لن يحصدوا غير الخسارة والخذلان، فأما الخسارة فهي من رصيدهم مع الناس الذين وضعوا ثقتهم فيهم، وأما الخذلان فان نصيبهم منه مزدوج، إذ هو في الدنيا حيث لم يفوا بوعدهم للعراقيين وخذلوا الأصابع البنفسجية الشريفة، بدل المرة مرات ثلاث، وفي الآخرة حيث خذلوا قسَمهم في أداء واجبهم الوطني والإنساني، وابتعدوا عن شريعة السماء والأنبياء والأولياء بوجوب الحسنى بالرعية.
اليوم يعيش العراقيون مع نشرات الأخبار وما يتجدد فيها من أحداث، مآسيَ صنعها لهم باتقان واصرار نفر من الدخلاء على السياسة والقيادة، إذ يبدو أن تخصصهم في السرقة والتلاعب بالمال العام، كما أنهم لايفقهون شيئا غير معارضة أي قرار أو قانون في مراحل قراءاته جميعها، ويسعَون دوما الى إثارة غبار بغية تعكير أجواء فضاء العراق الجديد قدر مااستطاعوا.
إن في اجتماعات مجلس برلماننا الذي تنتظر قراراته أفواه فاغرة، طالها الفقر والجوع والمرض، شيء من المصداقية، لايُنكر توافرها لدى بعض الكتل -ولو بنسبة ضئيلة- ولكن كما يقال: أي شيء أحسن من اللاشيء، حيث يبدي هذا البعض جديته في تقديم الأفضل من خلال قراءة القوانين وبلورتها وإقرارها، بما يصب في خدمة العراق والعراقيين، لكن المؤلم أن يكون هناك تلكؤ متعمد من أغلب الكتل والأحزاب والشخصيات، باتخاذها مواقف أقل ماتوصف بها ما أشار له مثلنا الشعبي القائل: (لو ألعب لو أخربط الملعب). موظفين بذلك كل اهتماماتهم وطاقاتهم للوقوف ضد ما يربو على ثلاثين مليون عراقي، ليس لإبقائهم في مكانهم (محلك راوح) فحسب، بل للرجوع بهم الى مربع ماقبل الأول، حيث الدكتاتورية والحزب الواحد والقائد الأوحد، ليحلو لهم العيث فسادا بمقدرات البلد وخيراته التي دأبت تبعثرها الحكومات السابقة واللاحقة على حد سواء.