أثارت زيارة اسماعيل قآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا تساؤلات كثيرة ولا سيما أنها جاءت متزامنةً مع طرح طهران مقترحاً لتحريك المياه الراكدة في مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق متضمناً تبادل التعهدات بين العاصمتين المعنيتين بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وانتشار قوات الجيش السوري على الحدود بين البلدين، قبل أن يتم تنفيذ ذلك على الأرض تحت رعاية طهران وموسكو. وكان لافتاً أن يعلن وزير الدفاع التركي عن رفض المقترح الإيراني قبل أن يغادر الجنرال قآني الأراضي السورية، الأمر الذي ترك الخيار الوحيد المطروح على الطاولة هو المقترح الروسي المتمثل في “شرعنة” الحضور العسكري التركي فوق أراضي سوريا. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الإيرانية ذكرت أن سبب زيارة قآني كانت لحضور مناورات عسكرية مشتركة مع قوات الجيش السوري في ريف حلب، إلا أن العديد من المراقبين السوريين ربطوا بين الزيارة وبين المقترح الإيراني، معتبرين أن قآني قد يكون مكلفاً بإجراء دراسة عسكرية لتحديد الكيفية التي يمكن من خلالها التدرج في تنفيذ تعهدي انسحاب القوات التركية وانتشار قوات الجيش السوري على الحدود، وما هي افضل السبل لتجاوز العقبات التي يمكن أن تعترض ذلك. وفي رابع زيارة يقوم بها قآني إلى سوريا منذ توليه منصبه، وصفت وسائل إعلام إيرانية زيارته الأخيرة بـ “المهمة” و”الحساسة” مشيرةً أنه التقى خلالها عددًا من المسؤولين والعسكريين والأمنيين والسياسيين في دمشق، وتفقد عددًا من مختلف مناطق العمليات. وذكرت وكالة “تسنيم” أن قآني شارك في المناورات العسكرية المشتركة بين قوات إيران وسوريا، كما “تدارس المناطق والمحاور الحساسة في إطار المواجهة المشتركة مع التحديات والانفلات العسكري والأمني في سوريا”. غير أن زيارة قآني لم تقتصر على حضور التدريبات المشتركة، حيث يعتقد أنه أجرى مباحثات سرية مع قادة التشكيلات العسكرية الإيرانية في سوريا حول ما اشيع مؤخراً عن احتمال أن تقوم القوات الأميركية بعملية عسكرية كبيرة لإغلاق الحدود بين العراق وسوريا وبالتالي إغلاق الطريق البري الذي يربط طهران بدولة لبنان عبر سوريا، وتداول الآراء بين المجتمعين حول الطرق المناسبة لمواجهة هذا السيناريو في حال حدوثه. وفي هذا السياق، اتهم قآني بحسب ما تناقلت عنه وسائل إعلام إيرانية في زيارته الأخيرة لسوريا الولايات المتحدة بأنها “المصدر الرئيسي للفساد والفوضى والإرهاب والنزاع في سوريا والمنطقة”. كما رجح العديد من المراقبين أن يكون قآني قد قام بدراسة ميدانية بالقرب من الحدود السورية التركية لوضع تصور عملياتي لكيفية تنفيذ المقترح الإيراني حول انسحاب القوات التركية وفق “خطة العمل” التي أعلن عنها رئيس الدبلوماسية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان السبت 16 من الشهر الجاري. ولم ينتظر وزير الدفاع التركي يشار غولر انعقاد الاجتماع الرباعي ولا انتهاء زيارة قآني، فسارع إلى إعلان رفض أنقرة للمقترح الإيراني، مؤكداً أن القوات التركية لن تنسحب قبل توفير البيئة السياسية والأمنية المناسبتين. وقال وزير الدفاع التركي يشار غولر في تصريح لصحيفة “ملييت” إن وجود القوات التركية في سوريا مرتبط بوجود مشاكل أمنية، مشيراً إلى أن أنقرة توضح في كل اجتماع ذي صلة أنها لا تضع عينها على أراضي أحد، ولا تحتاج لها، ولا تطمع في تقاسمها. كما أشار إلى أن تركيا اضطرت للتدخل العسكري في سوريا ونفذت عمليتَيْ درع الفرات وغصن الزيتون “بعد عجز المواطنين الأتراك عن التوجه إلى حقولهم، وبعد إطلاق الإرهابيين الصواريخ باستمرار على الأراضي التركية، ومضايقة السكان بالأسلحة الخفيفة كل يوم”. غولر شدد في حديثه على أنه لا يمكن الانسحاب من سوريا دون توفير البيئة الآمِنة المناسبة، كما أكد أن تركيا لن تلقي بالاً للأصوات التي تنادي بخروجها قبل تحقيق الاستقرار. واشترط غولر للانسحاب “إنشاء بيئة آمنة في الشمال السوري، وإقرار دستور جديد، وإجراء انتخابات، وتشكيل حكومة تضم الجميع”، مضيفاً: “حينها سنكون سعداء بالخروج”. وبرفض المقترح الإيراني لا يبقى قيد التداول سوى المقترح الروسي الذي أعلن عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل ثلاثة أسابيع، وتضمن اقتراحاً بالتوصل إلى اتفاق بين أنقرة ودمشق يسمح ببقاء القوات التركية على الأراضي السورية بشكل “شرعي”.وقال لافروف أنه “خلال اتصالات غير رسمية، اقترحنا العودة إلى فلسفة عام 1998، عندما تم التوقيع على اتفاق أضنة”، مردفاً: “هذا الاتفاق افترض وجود تهديد إرهابي، ومن أجل وقف هذا التهديد الإرهابي، سيكون لتركيا الحق بالوجود” في سوريا، عبر إرسال أجهزة مكافحة الإرهاب التابعة لها إلى عمق معين من الأراضي السورية. واعتبر الوزير الروسي في أعقاب اجتماعه مع نظيره التركي هاكان فيدان في موسكو أن جميع وثائق ومخرجات محادثات أستانا تحث على “احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها”، لافتاً إلى أن “الدول الضامنة”، بما فيها تركيا توقع دائماً على هذه الوثائق. وأجرت الدول الضامنة في “مسار أستانا”، روسيا وإيران وتركيا، “تبادلاً معمقاً لوجهات النظر” بشأن تطورات الأوضاع في سوريا وما حولها، مؤكدة دورها “القيادي” في التسوية السورية. جاء ذلك في اجتماع عقده وزراء خارجية الدول الثلاث، سيرغي لافروف وحسين أمير عبداللهيان وهاكان فيدان، على هامش اجتماعات الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في حين انضم إليهم في وقت لاحق مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن. وقال بيان لوزارة الخارجية الروسية إن الوزراء الثلاثة شددوا على “الحاجة إلى حشد المساعدات الخارجية”، مؤكدين “تصميمهم على مواصلة الجهود لتعزيز التسوية في سوريا”. وأضاف البيان أن المجتمعين “أجروا تبادلاً معمقاً لوجهات النظر حول تطور الوضع في سوريا وما حولها، مع التركيز على مهام ضمان الاستقرار المستدام في البلاد”، مشيراً إلى أنه “في هذا السياق، يبرز الدور الرئيسي لصيغة أستانا في التسوية السورية”.وأكدت الدول الثلاث “التزامها بمواصلة الجهود الموحدة لتعزيز التسوية الشاملة في سوريا، على أساس الالتزام الصارم بمبادئ احترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها”. وذكر البيان أن الوزراء أكدوا أيضاً على “ضرورة حشد المساعدة الخارجية لسوريا، بما في ذلك المساعدات لصالح إعادة الإعمار بعد النزاع، وتكثيف جهود عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”.و بعد الاجتماع الثلاثي، أجرى وزراء الخارجية مشاورات مع المبعوث الأممي بشأن “تعزيز العملية السياسية، التي يقودها وينفذها السوريون أنفسهم بدعم من الأمم المتحدة، وإنشاء الأنشطة الفعالة للجنة الدستورية السورية”.
المصدر: دمشق “النهار العربي”