الدكتور محمد بكر
تدخل واشنطن العملية السياسية السورية من أوسع أبوابها وتفرض مقاسات بعينها للحل السياسي، الورقة التي قدمتها مجموعة واشنطن التي تضم مع الأخيرة كلاً من فرنسا وبريطانيا والأردن والسعودية، تأتي لتنسف كل محاولات موسكو للخروج بصيغة سياسية توافقية من بوابة سوتشي، الطروحات الأميركية حول دستور جديد، وتقليص صلاحيات الرئاسة لصالح الحكومة، وإعادة هيكلة البرلمان، كلها تشكل رسائل تقويض وفرملة وتشويش لكل مايمكن ان يفرزه سوتشي من مخرجات سياسية لن تعجب واشنطن بطبيعة الحال.
الميل الأميركي للتصعيد السياسي في وقت يسعى فيه الروسي لترجمة إنجازات الميدان السوري منذ تدخله عسكرياً في الحرب السورية ينطلق من ثلاثة نقاط رئيسة:
النقطة الأولى: تتعلق بثبات التحالف الروسي الإيراني السوري، واستراتيجيته الصلبة في التعامل مع كل التطورات والمراحل الحرجة التي مرت بها الحرب السورية، وتطاول الحضور العسكري لدرجة أسقط فيها ورقتي داعش وتنظيم القاعدة على الأرض السورية، ومؤخراً ورقة الكرد في الشمال عبر الموافقة الضمنية لمحور موسكو والصمت تجاه العمليات العسكرية التركية في عفرين.
النقطة الثانية : تتعلق بعدم إستجابة موسكو لكل الضغوطات والمطالب الأميركية والإسرائيلية، لجهة ممارسة سطوتها وحضورها الدولي على طهران لتقليص نفوذها وتواجدها العسكري وحلفائها في الجنوب السوري.
النقطة الثالثة : تخص التفرد الروسي في تفصيل الحلول السياسية والعسكرية في الميدان السوري بعيداً عن العين الأميركية، وتجاوز ونسف كل الخطوط الحمراء الأميركية، ولاسيما بعد تأمين الحدود السورية العراقية والسيطرة على مدينة البوكمال والتقاء الجيشين العراقي والسوري على الحدود.
اتهام موسكو لواشنطن بمحاولة الأخيرة إعادة هيكلة وانتاج وإحياء فصائل سورية معارضة، ولاسيما في منطقة مثلث التنف، ورفض دمشق ورقة واشنطن وكل الحلول التي تأتي من الخارج أو على ظهر الدبابات، والرفض الذي بات شبه مؤكد لجهة ماأعلنته هيئة التفاوض السورية بمقاطعة سوتشي، والتقليل من أهمية أية مخرجات سياسية يمكن أن ينتجها سوتشي، وتقييمها على قاعدة المصالحات التي تتم في الداخل السوري، كل ذلك يعيد الأمور مجدداً ليرسم ملامحها زخم الميدان وماتفرضه لغة النيران.
مرة أخرى الكرة في ملعب الروسي وماعلينا إلا الانتظار لمعرفة شكل ومستوى الردود الروسية على الجديد والتصعيد الأميركي.