اقتصادي

تأخر إقرار الموازنات العامة في العراق… عرف سنوي لم تكسره “ثلاثية السوداني”

اجتماع للحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني.

أضحى تأخر إقرار الموازنات العامة في العراق وتجاهلها “عرفاً”، تسمح بتكراره عملية تدوير إيرادات الريع النفطي لتغطية الرواتب والنفقات التشغيلية. وقد حاولت الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني أن تكسر هذا العرف بابتداع مصطلح “الموازنة الثلاثية”، لتجاوز سيناريو تأخر إقرار الموازنة، لكن ذلك كان برأي أكاديميين اقتصاديين مجرد “شو إعلامي”.

ويلفت خبراء إلى أن جداول موازنة العام 2024، التي كان يفترض أن تقدم الى السلطة التشريعية قبل شهرين من انقضاء سنة 2023، لا تزال تترنح بين غرف وزارتي المالية والتخطيط، علّها تجد سبيلاً في تمريرها الى مجلس الوزراء من أجل المصادقة عليها وإرسالها الى مجلس النواب، الذي يسعى للملمة شتات نفسه وإيجاد رئيسٍ له بعد إزاحة رئيسه السابق محمد الحلبوسي عن منصبه، من قبل المحكمة الاتحادية العليا.

وكانت وزيرة المالية طيف سامي قد تعهدت الشهر الماضي بإكمال الجداول وإرسالها “قريباً” الى مجلس الوزراء، لكن الغموض لا يزال سيد الموقف.

أسباب تأخر الموازنة
وأوجز نواب من كتل برلمانية مختلفة، أسباب تأخر جداول موازنة 2024، بـ”عدم تشكيل حكومات محلية لبعض المحافظات (ديالى، كركوك وصلاح الدين)؛ تلكؤ بعض المشاريع؛ قرارات المحكمة الاتحادية بشأن إقليم كردستان؛ اقحام عملات بديلة للدولار في عملية التحويل الخارجي، وغير ذلك”، ما أربك عمل الحكومة التي كان يجب أن تتجاوز أكثر هذه المعرقلات قبل شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الفائت.

ويقول عضو مجلس النواب العراقي ثائر الجبوري لـ”النهار العربي” إن تأخر إرسال موازنة 2024 الى البرلمان مرتبط بالحكومات المحلية في المحافظات التي لم يتشكل بعضُها بعد، مشيراً إلى أن “وزارة المالية تريد ان تجد خطّ شروع واحداً لكل المحافظات في ما يخص التخصيصات المالية”.

ويضيف أن “هذا التأخير أثّر على مراحل العمل في المشاريع الخدمية والاستراتيجية قيد الإنشاء”، منبهاً إلى أن عملية التأخير تصنع “ترتيباً مسبقاً” بين القوى المسيطرة على المحافظات، على تحديد المشاريع التي لها الأولوية في اطلاق التخصيصات المالية.

عجز “طبيعي” في 2023

يقول مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح لـ”النهار العربي” إن موازنة العام 2024 ستشهد ضغطاً للإنفاق الاستثماري، وذلك لعدم وجود فائض مسبق، كما حصل مع موازنة العام الماضي، مضيفاً أن الحكومة بحاجة الى “انضباط مالي عال، عبر إيقاف النفقات غير الضرورية، وتعظيم الإيرادات غير النفطية”.

ويضيف صالح أن أسعار النفط تبدو جيدة، حتى الآن: “ثمة زيادة فوق السعر التخميني لبرميل النفط تقدر بـ10 بالمئة”، مرجّحاً أن الانتعاش في أسعار الخام سيستمر في ظل التوتر الإقليمي والعالمي والحاجة إلى الطاقة.

ويبرر مستشار رئيس الوزراء لجوء الحكومة الى “الموازنة الثلاثية” بأن ذلك يمنحها “مرونة” في العمل وتجاوز “القيد التشريعي” على الحكومة، مضيفاً أن تأخر إرسال جداول موازنة 2024 ربما يكون مرتبطاً بـ”إجراءات حاكمة أفضت الى تأخيرها”.

ويلفت صالح إلى أن “النتائج كانت ممتازة في عام 2023. إن النمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بلغ 6 بالمئة”، معللاً ذلك بأن “الإنفاق الحكومي كان له أثر في تحريك النشاط الاقتصادي”.

ووفقاً لصالح فإن “موازنة 2023 كانت متوازنة، باستثناء عجز يعد طبيعياً بنسبة 1.3 من الناتج المحلي الإجمالي”، مشيراً إلى أن “ذلك لا يعتبر عجزاً، إنما نحتاج الى قروض جسرية لسد ما يسمى بفروقات التخمين”.
حالة العجز التي يتحدث عنها مصلح ترتبط بصورة أساسية بالفائض المدور من العام 2022، إذ إن هناك أكثر من 23 تريليون دينار جرى توظيفها في الإنفاق التشغيلي، الأمر الذي قلّص فجوة العجز المالي.

يذكر أن مشروع قانون موازنة العام الماضي تبلغ قيمته 197 تريليوناً و828 مليار دينار (نحو 152.2 مليار دولار)، بعجز إجمالي بلغ 63 تريليون دينار (48.3 مليار دولار).

الموازنة الثلاثية: “شو إعلامي”

“لا يوجد شيء في علم الاقتصاد اسمه موازنة ثلاثية. عادة ما تكون هناك موازنة سنوية، تقوم على تقدير النفقات والإيرادات خلال مدة سنة”، طبقاً لأستاذ الاقتصاد في جامعة المعقل نبيل المرسومي.

ويقول الخبير الاقتصادي لـ”النهار العربي” إن تجاوز التقديرات لأكثر من عام يجعل النتائج غير واقعية، فيما وصف قانون الموازنة الثلاثية بأنه “مجرد شو إعلامي”، مسترسلاً أن “الحكومة لم تطلق حتى الآن أية تخصيصات مالية عدا الرواتب، وبالتالي فهي تعمل على إنجاز جداول موازنة 2024، وإرسالها الى البرلمان من أجل إقرارها، وهذا يعني أن “الثلاثية” لا يمكن أن تمضي سنوياً، لأن هناك تغييراً في النفقات العامة والايرادات العامة، تحتاج لقراءة من قبل البرلمان وتمريرها”.

ويضيف المرسومي أن ثمة “زيادة متوقعة في حجم الإنفاق العام من 199 تريليون دينار الى 225 تريليوناً. وربما يرتفع العجز التخميني في الموازنة إلى 90 تريليوناً”.

ويشير الأكاديمي إلى وجود زيادة حتمية في تخصيصات إقليم كردستان، لأن تكاليف استخراج النفط يجب أن تعدل من 7 دولارات الى 21 دولاراً، وأيضا مسألة توطين رواتب موظفي الإقليم على إثر سلسلة قرارات المحكمة الاتحادية بشأن نفط الإقليم ورواتب الموظفين.

موازنات “طبق الأصل”
ويذكر المرسومي أن “الموازنات العراقية لا يوجد فيها أهداف ولا إدارة حقيقية لإيرادات النفط، إنما هي عبارة عن نسخ طبق الأصل تمرّر سنوياً”، لافتاً إلى اأن “الحكومة ذكرت في برنامجها أن الإيرادات غير النفطية سوف ترتفع إلى 13 بالمئة، لكنها لم تتجاوز حاجز الـ 7 بالمئة”.

ويواصل المتحدث أن “النفط لا يزال هو المحرك الأساس للنشاط الاقتصادي في العراق. وكل كلام غير ذلك يجانب الحقيقة”.

وكان عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، قد أكد في 2 كانون الثاني (يناير) الماضي، أن موازنة 2024 ستشهد تغييرات في شقيها التشغيلي والاستثماري، مبيناً أنه سوف يتم إجراء العديد من التغييرات فيها، و”ستكون شيئاً مختلفاً من ناحية الموارد وتقديرات أسعار النفط والصرفيات”.

لكن كوجر لا علم له متى ترسل الحكومة الجداول، ليتسنى للجنته دراستها والتصويت عليها.