في خطوة مفاجئة ومن دون أي مقدّمات، قرّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، محدّداً يوم السبت 7 أيلول (سبتمبر) المقبل تاريخاً لها، أي قبل 3 أشهر من انتهاء ولايته الرئاسية الأولى. وتفاجأت الأوساط السياسية والإعلامية الجزائرية بقرار تبون غير المنتظر، نظراً إلى معطيات عدة، لعلّ أبرزها ردّ وكالة الأنباء الجزائرية في 24 شباط (فبراير) المنصرم، على حديث وسائل إعلام أجنبية بشأن احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية في الجزائر، إذ قالت حينها إنّ “الانتخابات ستُجرى في موعدها المقرّر، وفق ما نصّ عليه الدستور، احتراماً للشعب الجزائري الوحيد صاحب السيادة”. وتنتهي ولاية تبون دستورياً في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وهو ما فاجأ المراقبين وطرح تساؤلات عن تقديم موعد الانتخابات. ولاية تبونفاجأ القرار الجميع من سياسيين ومحللين ومواطنين، غير أنّ الحديث الأبرز عقب الإعلان عن تقديم موعد رئاسيات الجزائر 2024، تمحور حول خلفيات القرار، وهل هي نهاية عهد الرئيس تبون في كرسي الرئاسة قبل استكمال ولايته. التخمينات ذهبت نحو تفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري، وحديث عن استقالة الرئيس أو عجزه، وهي قراءة وصفها مراقبون بغير المنطقية، بخاصة أنّ تبون لم يعلن عن سبب قراره بإجراء انتخابات مبكرة المتخذ خلال اجتماع جمع كبار المسؤولين في الدولة ورئيس اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات. وفي رأي سياسي نشره الصحافي المتابع عثمان لحياني، فإنّ هذه التخمينات “تبدو متسرّعة أو عبارة عن اجتهاد ذاتي أكثر منه قراءة واقعية للمشهد السياسي”. وأضاف أنّ الظروف الإقليمية والدولية الحالية غير المناسبة لا تتيح “التفكير في إحداث تغيير في أعلى هرم السلطة، والفاعليات السياسية نفسها مقتنعة ومستسلمة لذلك”.
ويبدي لحياني ملاحظات على قرار تقديم موعد الانتخابات، فتقنياً يرتبط القرار برغبة السلطة في العودة إلى أجواء انتخابية مناسبة، بسبب طبيعة شهر كانون الأول “الذي لا تساعد ظروفه المناخية الباردة وقصر نهاراته في توفير ظروف أفضل للناخبين للتوجّه إلى مراكز الاقتراع”. أما سياسياً، فيرتكز على “رغبة السلطة في حسم الاستحقاق الانتخابي في وقت أبكر، تحسباً لتغيّرات محتملة ومعقّدة إقليمياً ودولياً، حيث تشهد 50 دولة هذا العام انتخابات، بينها الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى التفرّغ لمواكبة هذه المتغيرات”. وفي شأن السجال حيال دستورية القرار، لفت خبراء قانونيون إلى أن الدستور الجديد (تشرين الثاني – نوفمبر 2020) يخوّل له ذلك، إذ تنصّ المادة 91 المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية على أنه “يمكن أن يقرر إجراء انتخابات رئاسية مسبقة”. ومن جهته، يرى الكاتب والصحافي نجيب بلحيمر أنّ “حملة العهدة الثانية بدأت منذ وقت غير قصير، وقرار تقديم تاريخ إجراء الانتخابات دليل آخر على أنّ اللعبة مغلقة ولن تترك حتى فرصة التعلّم لدعاة المشاركة من أجل التغيير”. لا خطة بديلةويذهب المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر حمزة حسام، في الاتجاه نفسه، إذ يؤكّد أن لا شيء تغيّر أو سيتغيّر مع الإعلان عن تقديم موعد الرئاسيات إلى أيلول بدلاً من كانون الأول. ويقول لـ”النهار العربي”: “صحيح أنّه قرار مفاجئ إلى درجة تواتر الحديث عن إمكان عدم ترشح الرئيس الحالي لولاية جديدة، وأنّ السلطة تحضّر لخطة بديلة، غير أنّ هذا غير وارد تماماً”. وفي قراءة سياسية للمشهد العام، يرى حسام أن لا احتمال للذهاب نحو عدم ترشح الرئيس تبون لولاية ثانية، مبرّراً ذلك بحالة التوافق والانسجام التي تسود مكونات السلطة حالياً في الجزائر، ويقول: “ليس هناك حالة من الانقسام داخل السلطة سواءً بين الجيش والرئاسة أو داخل الجيش في حدّ ذاته، وهو أمر يلغي تماماً فكرة رحيل تبون وانتخاب رئيس جديد”. ويلفت في حديثه لـ”النهار العربي” إلى أنّ مؤشرات الساحة السياسية “تؤكّد بدورها أن لا وجود لخطة بديلة عن تولّي الرئيس تبون لولاية جديدة، وليس ثمة سيناريو جديد مغاير لذلك”، لافتاً إلى أنّ كل الاحتمالات البعيدة من هذه الخطة تصبّ في خانة المهاترات المجانية. ويعود حسام للحديث عن أسباب قرار تقديم موعد الاستحقاق الرئاسي في الجزائر، مرجعاً إياه إلى ضغط الروزنامة المرتبطة بنهاية السنة وتحديداً بشهر كانون الأول، ويضيف أنّ إجراء الانتخابات في مرحلة صيفية يعطي أريحية للتنظيم العام للاستحقاق، إذ تكون كل مراكز الاقتراع مستعدة للعملية الانتخابية. ويلفت إلى أنّ السبب الثاني متعلق بموازنة 2025، إذ دأب الرئيس على توقيعها في اليوم الأخير من الشهر الأخير من العام، لذا فإنّ تقديم موعد الانتخابات بـ3 أشهر عن نهاية السنة يتجنّب احتمالية أن يكون منصب الرئيس شاغراً لعدم تنصيبه. وعلى صعيد آخر، فإنّ تنظيم رئاسيات مبكرة وقبل الزيارة المقرّرة للرئيس تبون لباريس، يُعدّ تخطيطاً محكماً من قِبله، تفادياً لأي تأويلات سياسية بعيدة من واقع الحال. وكان بعض الأوساط السياسية ونشطاء عبر شبكات التواصل، أشاروا إلى أنّ اختيار تبون توقيت زيارته باريس المقرّرة نهاية أيلول أو بداية تشرين الأول (أكتوبر) المقبلين، يؤكّد بقاءه في منصبه إلى ما بعد خريف 2024. ترحيب “جبهة التحرير الوطني”وأصدر حزب “جبهة التحرير الوطني” بياناً مرحّباً بقرار تبون، ورد فيه أن “هذا القرار السيادي ترجمة للحرص الدائم على الحفاظ على المواعيد الانتخابية الدستورية واستقرار المؤسسات واحترام إرادة الشعب الجزائري الحرة والسيدة في انتخاب من يحكمه في انتخابات تعددية شفافة ونزيهة وفي أجواء ديموقراطية”.
وأضاف: “ففي الوقت الذي كانت فيه بعض الأبواق الاعلامية خارج الوطن تروج لتأجيل الانتخابات الرئاسية، ها هي الجزائر تسكت كل من يشكك في أنها دولة مؤسسات ونموذج مثالي في الديموقراطية واحترام الدستور بالاعلان عن انتخابات رئاسية مسبقة خلال الثلث الأخير في هذه السنة”.
ودعا الحزب “كل القوى الفاعلة، أحزاباً ومجتمعاً مدنياً وفواعل اجتماعية وكل مكونات النخبة في بلادنا إلى جعل هذا الاستحقاق الوطني الهام موعداً جديداً لجزائر منتصرة، قوية بمؤسساتها وشعبها وجيشها العتيد”.