يعاني المفطرون في شهر رمضان في تونس صعوبة العثور على مكان يأوون إليه نهاراً لشرب القهوة أو تناول الطعام، فأغلب مقاهي البلد ومطاعمه تغلق أبوابها طيلة هذا الشهر الذي يمثل عطلتها السنوية.ويمنع في تونس التي ينص دستورها على حرية المعتقد الإفطار العلني في شهر رمضان، وهو ما يثير الجدال كل عام. ومع بداية كل شهر رمضان تغلق أغلب مطاعم تونس ومقاهيها أبوابها نهاراً لتفتحها ليلاً بعد الإفطار، لكن عدداً من أصحاب المقاهي والمطاعم كسروا هذه القاعدة وقرروا مواصلة العمل في نهار رمضان وتقديم الخدمات للزبائن المفطرين، مع الإبقاء على أبواب محالهم وشبابيكها موصدة.
وفي المدن الكبرى صار مشهد المقاهي التي تُغطي واجهاتها بورق الجرائد أو بالستائر مألوفاً في شهر الصيام.
وتغليف الواجهات البلورية وإسدال الستائر حيلة اعتاد أصحاب المقاهي اعتمادها نهاراً في رمضان تجنباً لكل جدال يمكن أن يرافق فتح محالهم لأبوابها في شهر الصيام في مجتمع يستهجن هذا الفعل. ويقول مختار وهو صاحب مقهى في وسط العاصمة تونس اختار أن يواصل العمل في أيام رمضان إنه يرفض إغلاق محله في شهر رمضان لأن ذلك يكبده خسائر مادية كبيرة، ويوضح لـ”النهار العربي” أن المقهى صار معروفاً في أوساط المفطرين، مؤكداً أن هناك زبائن خاصين بهذا الشهر.
ووفق مختار، عادة إسدال الستائر في هذا الشهر لا تجلب أنظار المارة نحو محله وتجنبه الوقوع في أي مشكلات محتملة مع أي كان، ويضيف: “بما أن الأمر مستهجن وسبق أن تعرض بعضنا لملاحقة أمنية، كما أن الأغلبية ترفض أن ترى المقاهي مفتوحة خلال شهر رمضان لأن ذلك في نظرها يمسّ بتقاليد البلد ولا يحترم مشاعر الصائمين، ليس أمامنا من حل نحن أصحاب هذه المحال سوى أن نسدل ستائرنا ونغطي الواجهات بورق الجرائد حتّى نضع حاجزاً بين من هم في الداخل والمارة”.
ويؤكد أن هذه الطريقة تحافظ أيضاً على خصوصيات زبائنه في شهر رمضان “فهناك من يرفض أن يراه الآخرون وهو يتناول قهوته ويدخن سجائره، البعض يخجل من ذلك والبعض لا يرغب في أن تلتهمه نظرات المارة وهناك من لا يبالي بالأمر” يؤكد مختار. أسماء المقاهي التي تفتح أبوابها أمام المفطرين في رمضان وعناوينها معروفة لدى هذه الشريحة في معظم الأحيان، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تكوّنت مجموعات للمفطرين يتبادلون فيها العناوين لتسهيل الأمر على بعضهم بعضاً كما قال خالد، وهو واحد من بين المتابعين لمجموعة تطلق على نفسها على موقع “فايسبوك” تسمية “فاطر”، ويقول لـ”النهار العربي” إن هذه المجموعة هي مساحة للمفطرين للتعبير وللحديث عما يعيشونه يومياً من معاناة في شهر رمضان ولتبادل عناوين المقاهي والمطاعم التي تقدم خدماتها لهم في كامل مدن تونس. ويطالب أغلب الناشطين على هذه الصفحة كما عاين “النهار العربي” برفع الحظر عن فتح المقاهي في رمضان، معتبرين أن ذلك من حقهم. وينشر أغلبهم صوراً لإفطارهم من دون أن يظهروا في تلك الصور مع إخفاء أسمائهم، وهو ما يقول خالد إنه يجنبهم إعادة نشرها والتشهير بهم. لا مانع قانونياًوقانونياً لا تمنع تونس فتح المقاهي والمطاعم في شهر رمضان، وفق رئيس مرصد الدفاع عن مدنية الدولة منير الشرفي الذي يقول لـ”النهار العربي” إن “الأمر يعود إلى فترة الثمانينات من القرن الماضي، حين تولى محمد المزالي – وكان وزيراً أول في حكومة الرئيس الحبيب بورقيبة – حقيبة الداخلية وأصدر حينها منشوراً (أمراً) لا يعلو إلى مرتبة القانون يمنع فتح المطاعم والمقاهي في شهر رمضان، في تضارب تام مع سياسات بورقيبة الحداثي والمؤمن بحرية الضمير والمعتقد”. ويُضيف الشرفي أن هذا الأمر ظل ساري المفعول منذ ذلك الوقت وتحوّل في فترة لاحقة ذريعة لملاحقة أصحاب المقاهي الذين يقررون فتح محالهم في هذا الشهر والتشهير بالزبائن المفطرين، خصوصاً في الفترة التي حكم فيها الإسلاميون، ويضيف: “في تلك السنوات عندما سيطر المتشددون على الشارع كنّا نشاهد بعضهم يقتحم المقاهي ويقوم بتصوير من في داخلها والتشهير بهم، كما حدث أن سُجن صاحب مقهى فقط لأن الشرطة وجدته داخل محله بصدد شرب قهوة وتدخين سيجارة”.
وفي السنوات التي تلت حوادث كانون الثاني (يناير) 2011 ومع وصول الإسلاميين للحكم وتنامي حضور التيارات الدينية المتشددة، صارت ظاهرة الإفطار في رمضان من الملفات التي تحدث ضجة واسعة خلال هذا الشهر ويتم توظيفها بين الفاعلين السياسيين. وتعرضت في تلك الفترة المقاهي التي تفتح أبوابها خلال شهر رمضان إلى حملات من رجال الشرطة لإجبار أصحابها على إغلاقها تحت ضغط الأصوات المتشددة التي كان البعض منها يتوّجه إلى هذه المحال متظاهراً أمامها. وكانت جمعيات حقوقية قد نظمت سابقاً تظاهرات للمطالبة بإلغاء هذا المنشور ووقف مضايقة المفطرين. ومع إزاحة الإسلاميين من الحكم بفعل التدبير الاستثنائية لعام 2021 تراجعت هذه الظاهرة، لكن الشرفي يقول إن ذلك غير كاف مطالباً الرئيس قيس سعيد بـ”إلغاء هذا المنشور الذي يتعارض مع ما جاء في دستور البلاد الذي ينص على مدنية الدولة ويضمن الحريات الدينية”، فيما سبق لهذا الأخير أن كرر في مناسبات عديدة أن “الحقوق والحريات مضمونة” في بلده.