عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكنه يواجه هذه المرة مشهدًا سياسيًا وعسكريًا مختلفًا في العراق وإيران. فبينما تبنّى الديمقراطيون على مدار السنوات الماضية نهجًا متساهلًا تجاه طهران، ما سمح لها بتوسيع نفوذها في العراق والمنطقة، يبدو أن ترامب لا يرغب في استمرار هذه الشراكة غير المباشرة بين واشنطن وطهران، بل يسعى إلى تفكيكها بأساليب مختلفة عن ولايته السابقة.
إيران والديمقراطيون.. سنوات من التسهيلات
لطالما تعاملت الإدارات الديمقراطية مع إيران وفق سياسة الاحتواء والتفاوض، وهو ما تجلّى بوضوح في عهد أوباما عبر الاتفاق النووي عام 2015، والذي مكّن إيران من التقاط أنفاسها اقتصاديًا والاستمرار في دعم ميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وعندما جاء بايدن إلى السلطة، أعاد تبنّي نهج مشابه، محاولًا إعادة التفاوض مع طهران، والتغاضي عن أنشطتها الإقليمية، بما في ذلك تدخلها العميق في العراق عبر الفصائل المسلحة والأحزاب الموالية لها.
في العراق، أسهمت هذه السياسة في تعزيز قوة الحشد الشعبي داخل مؤسسات الدولة، ما جعل النفوذ الإيراني أكثر رسوخًا. كما أن الإدارة الديمقراطية لم تتخذ أي إجراءات حاسمة لكبح الجماعات المسلحة التي تستهدف المصالح الأمريكية بين الحين والآخر، ما جعل إيران تشعر بثقة أكبر في استمرار هيمنتها على القرار العراقي.
ترامب يعود.. ولكن بأسلوب مختلف
عند تولي ترامب الرئاسة سابقًا، اتبع سياسة تصادمية مع إيران، انسحب من الاتفاق النووي، فرض عقوبات اقتصادية خانقة، ووجّه ضربة قاسية باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. لكن هذه المرة، يبدو أن ترامب يسعى إلى تحقيق نفس الهدف ولكن بأدوات أكثر دقة، بعيدًا عن التصعيد المفتوح.
في العراق، من الواضح أن ترامب لا يريد تكرار سياسة الانسحاب الفوضوي التي تبنّتها إدارة بايدن في أفغانستان، لكنه في الوقت ذاته لن يسمح لإيران بالاستمرار في استغلال العراق كقاعدة نفوذ إقليمي. ولذلك، يتبنى عدة استراتيجيات:
تحجيم الدور الإيراني في مؤسسات الدولة العراقية من خلال دعم شخصيات وقوى سياسية لا تتبع طهران، والعمل على تقليل سيطرة الفصائل المسلحة على الأجهزة الأمنية والاقتصادية.
استخدام القوة بذكاء بدلًا من المواجهة العسكرية المفتوحة، يتجه ترامب إلى عمليات استخباراتية دقيقة تستهدف قيادات الفصائل الموالية لإيران، بالتعاون مع حلفاء واشنطن في المنطقة.
تعزيز العلاقات العراقية-العربية يدرك ترامب أن الحل الأمثل لإضعاف النفوذ الإيراني في العراق هو ربطه أكثر بمحيطه العربي، عبر مشاريع اقتصادية وأمنية مشتركة مع دول الخليج ومصر والأردن.
تقليل اعتماد العراق على إيران في مجال الطاقة حيث تعمل إدارته على تشجيع الاستثمارات الأمريكية والخليجية في قطاع الكهرباء والغاز، لمنع طهران من استخدام ورقة الطاقة كورقة ضغط على بغداد.
نهاية الشراكة بين الديمقراطيين وإيران؟
عودة ترامب تعني نهاية المرحلة التي استفادت فيها إيران من السياسات الديمقراطية المتساهلة. لكنه في الوقت ذاته، يعلم أن المواجهة المباشرة قد تؤدي إلى تداعيات غير محسوبة. لذا، فإن نهجه الجديد يركز على استنزاف النفوذ الإيراني تدريجيًا، بدلًا من توجيه ضربات مفاجئة قد تجرّ المنطقة إلى حرب شاملة.
لكن يبقى السؤال: هل ستتمكن إدارة ترامب من تفكيك هذه الشراكة التي عززها الديمقراطيون خلال العقدين الماضيين، أم أن إيران ستجد طرقًا جديدة للحفاظ على نفوذها في العراق رغم الضغوط الأمريكية؟