عامر ذياب التميمي
كل عام وفي كانون الثاني (يناير)، يتناول الكتاب والمعلقون والخبراء ما تم إنجازه في الدول العربية التي شهدت ثورات «الربيع العربي». ومن المؤكد أن تغيرات سياسية واقتصادية متنوعة حصلت في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، وهي البلدان التي حدثت فيها متغيرات في أنظمة الحكم، ومنها ما هو سلبي وأدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية ومنها ما هو مفيد مثل تعزيز نظام ديموقراطي تعددي أو تحسن في الأداء الاقتصادي.
وإذا أخذنا مصر وهي من تلك البلدان التي مرت بتجربة التغيير السياسي منذ 2011، فإن الأوضاع الاقتصادية شهدت تغيرات مهمة. ولا شك في أنها شهدت بعد نهاية عهد الرئيس حسني مبارك تحولات متلاحقة بعد انتخابات الرئاسة الأولى التي تولى فيها محمد مرسي الرئاسة بعد منافسة مع الفريق أحمد شفيق، وبعد ذلك حدوث انتفاضة 30 حزيران (يونيو) 2013 وسقوط نظام محمد مرسي، وتمت بعد ذلك صياغة الدستور المصري الجديد وإجراء انتخابات رئاسية في عام 2014 أتت بالرئيس عبد الفتاح السيسي.
وبعد مرور سبع سنوات على الثورة وقرب نهاية الفترة الأولى من رئاسة عبدالفتاح السيسي، كيف يمكن أن نقوّم الأداء الاقتصادي في مصر؟
تؤكد بيانات السنوات الأخيرة، أن معدل النمو أخذ بالتحسن على رغم استمرار المشاكل الهيكلية مثل تزايد أعداد الفقراء وارتفاع مستويات البطالة وتنامي الدَين العام والديون الخارجية، وتراجع إيرادات السياحة عن مستوياتها عام 2010.
لكن لا بد من التذكير بأن هناك تحسناً بيّناً في قيمة الصادرات المصرية غير البترولية. ففي عام 2017، ارتفعت قيمة هذه الصادرات بنسبة 12 في المئة لتصل إلى 20.5 بليون دولار، وتشمل المواد الكيماوية والأسمدة والملابس الجاهزة والمنتجات الهندسية والإلكترونية. وغني عن البيان أن قرار تعويم سعر صرف الجنيه ساهم في تعزيز الصادرات المصرية وحسّن تنافسيتها في ساحة التجارة الدولية.
كما أن هذا التعويم ساعد الكثير من الصناعات المصرية في الحصول على الآليات والمواد الأساسية التي تستخدمها في صناعاتها. وعلى رغم الأوضاع الأمنية غير المريحة في مناطق عدة من البلد، فإن السياحة تحسنت في شكل جيد وارتفعت أعداد السياح. وتشير البيانات المتوافرة الى أن عدد الزوار بلغ خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2017 ما يقارب 4.3 مليون، وقدرت الإيرادات لتلك الفترة بـ3.5 بليون دولار، ما يعني إمكان أن تبلغ لعام 2017 نحو 7 بلايين دولار. ولا شك في أن هذا التحسن في أداء السياحة يعتبر نقلة مهمة، اذ لم تزد إيرادات السياحة لعام 2016 عن 2.7 بليون دولار. بيد أن السياحة قطاع اقتصادي حيوي في مصر وما زالت بعيدة من مستويات 2010 عندما بلغ عدد السياح 14.7 مليون، في حين بلغت الإيرادات 12.5 بليون دولار، ووظفت 12 في المئة من قوة العمل المصرية.
هناك مؤشرات إيجابية لأداء الاقتصاد المصري، منها ارتفاع رصيد الاحتياطات النقدية إلى مستوى قريب مما كان عليه في مطلع عام 2011، إذ تقدر هذه الاحتياطات في بداية كانون الثاني (يناير) الماضي، ما يزيد قليلاً على 37 بليون دولار، مرتفعة عن مستواها مطلع 2017 بما يزيد على 10 بلايين دولار. لكن في مقابل ذلك، فإن الديون الخارجية بلغت 78.9 بليون دولار، ما يزيد أعباء خدمة الدَين خلال السنوات المقبلة.
وهناك نسبة مهمة من هذه الديون ستوظف في مشاريع حيوية مثل مشاريع البنية التحتية أو المشاريع الحيوية الكبرى مثل توسيع قناة السويس أو المشاريع الصناعية والمشاريع الزراعية الأساسية الهادفة الى تحسين القدرات التصديرية للبلاد. بيد أن أموالاً مهمة سوف تستخدم لمواجهة أعباء الإنفاق الحكومي الجاري أو دفع مستحقات الواردات السلعية الأساسية أو التسلح.
وهناك توقعات بأن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي في مصر عام 2018 ما يعادل 350 بليون دولار، وبذلك يكون معدل دخل الفرد يساوي 3.500 دولار سنوياً. تضاف إلى ذلك، تحديات مهمة تتمثل في استمرار البطالة، خصوصاً بين الشباب، والتي تمثل 12.6 في المئة من قوة العمل المصرية. كما أن معدل التضخم ما زال مرتفعاً ويصل إلى 13.8 في المئة. هذه تحديات تواجه عملية الإصلاح الاقتصادي وتتطلب سياسات متوازنة لتفادي أخطارها.