عبدالحميد العوضي
مع انتهاء الربع الثالث من هذه السنة وعلى خلاف التوقعات، فما زالت حركة أسعار النفط بطيئة في صعودها تراوح بين 40 و45 دولاراً للبرميل، لا سيما بعد اتفاق تاريخي أبرمته أوبك مع 10 دول أخرى مصدرة للنفط لخفض 9.7 ملايين برميل يومياً من مجمل إنتاجها لمدة شهرين بدءاً من مايو الماضي، ويعدل الخفض إلى 7.6 ملايين برميل حتى نهاية العام الحالي، وينص الاتفاق على استمرار خفض الإنتاج بواقع 5.9 ملايين برميل يومياً إلى نهاية أبريل 2022، فما هي التحديات التي تقف أمام أوبك وتعيق ارتفاع أسعار النفط؟ 1- استمرار تفشي وباء كورونا منذ مطلع 2020 من دون توافر علاج ناجع. 2- استمرار الركود الاقتصادي العالمي وأثره على الأنشطة المرتبطة باستهلاك النفط ومشتقاته. 3- ارتفاع المخزون التجاري العالمي من 4.4 مليارات برميل الى 4.8 مليارات برميل. 4- تنامي الطاقات البديلة مثل الطاقة الشمسية والبطاريات الكهربائية وتطورها التكنولوجي. 5- قوانين حماية البيئة العالمية والسياسات الحكومية الداعمة لها. 6- إخلال بعض أعضاء أوبك وآخرين في زيادة إنتاجهم من دون التزام بحصتهم المتفق عليها. 7- أثر السياسات الأميركية والانتخابات الرئاسية المقبلة على مسار الطاقة. كتبت عن هذه التحديات في مقالات سابقة وقد نشرتها – مشكورة – جريدة القبس، ومنها: «ترامب مخيف نفطياً» 21 – 11 – 2016، «ترامب عبث بمقدرات دول الخليج» 27 – 9 – 2018، و«رئيس أوبك الجديد» 5 – 1 – 2019. ستجرى الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر القادم ترى ما تأثير السياسات الأميركية على أسواق الطاقة العالمية؟ ليس سراً أن أميركا تعمل منذ زمن بعيد على إضعاف أوبك بشتى الوسائل، إما بتشجيع أعضائها بضرب بعضهم ببعض (الحرب العراقية الإيرانية، غزو العراق للكويت، دول الخليج وإيران، مقاطعة قطر)، أو ضرب فنزويلا مع دول الجوار (كولومبيا والبرازيل)، ولم تتوان أميركا في تهديد دول أوبك باللجوء إلى القضاء وتفعيل قانون أوبك بحجة محاربة الاحتكار والتلاعب بالأسعار! وغادرت أندونيسيا أوبك نهاية عام 2016، وانسحبت قطر عام 2019، والاكوادور عام 2020، ولم تسلم دول نفطية أخرى مجاورة كالمكسيك وكندا من فرض الضرائب والرسوم، فعلى المنظمة ألا تتوقع المفيد من إدارة ترامب عند إعادة انتخابه، وتبقى الخيارات محدودة جداً أمام أوبك، فالخفض التاريخي للنفط لم يحقق أهدافه حتى الآن، وقد خفضت أوبك توقعاتها لطلب النفط نحو 400 ألف برميل يومياً، وهذا ثاني خفض لتوقعاتها في فترة وجيزة، ما يعطي انطباعاً عن صعوبة التحديات التي تواجهها، ولعل من أبرزها عدم التزام بعض أعضائها بالحصص ما يعد ضربة موجعة لسمعة المنظمة ومصداقيتها! غاية أميركا كدولة عظمى هي الهيمنة على صناعة القرارات المتعلقة بالطاقة العالمية لمصلحة الإنتاج الأميركي، لدعم الصناعات المحلية وخلق وظائف جديدة للشعب الأميركي، انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ وغيرها من الاتفاقيات وممارسة الضغوط على الدول العملاقة، مثل الصين وروسيا وتركيا التي تنافس أميركا في عدة مجالات بفرض مزيد من الرسوم والضرائب عليها والتوسع في حظر النفط الإيراني والفنزويلي. ماذا لو تمت إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب؟ من المؤكد أنه سيستمر في سياسة حماية الصناعة النفطية المحلية من خطر المنافسة العالمية وإقامة اتفاقيات تعزز هذا التوجه وإلغاء القيود التنظيمية في الأراضي الفدرالية لعمليات الحفر المؤثرة على البيئة، وسيعمل على زيادة إنتاج النفط الصخري وتصديره وهذا يعني زيادة في المعروض وضعف أسعار النفط خلال السنوات الأربع المقبلة وأي اضطراب في تزويد النفط عالمياً سيكون لمصلحة النفط الأميركي وهذا الاضطراب قد يكون مقصوداً أو مفتعلاً بهدف إحلال النفط الأميركي بديلاً عن النفوط الأخرى، وهذه التوقعات مقبولة لأنها حدثت فعلاً في وقت سابق. ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه: ماذا لو تم انتخاب المرشح الديموقراطي جو بايدن؟ هل تعني عودة للسياسات السابقة؟ عودة لمستوى الإنتاج السابق للنفط الإيراني والفنزويلي والليبي إلا أنه من الصعب تغيير سياسات ترامب الحالية بوقف دعم إنتاج النفط الصخري كما يصعب وقف إنتاج السيارات الكهربائية. إذن في كل الأحوال سيكون وضع «أوبك» صعباً جداً في فرض مزيد من الخفض على أعضائها وعلى الآخرين. وماذا عن الكويت التي تنتظر تغييراً لمجلس الأمة وللحكومة أيضاً تزامناً مع انتخابات الرئاسة الأميركية، إذ إنه لا يمكن مواجهة ما هو قادم في المرحلة المقبلة من استهلاك عالمي أقل للنفط إلا بحكومة قوية ومجلس أقوى يجدد الآمال! الأسعار المنخفضة للنفط لن تشجع على الاستثمار في القطاع النفطي لضعف العائد المادي، لذلك تتوجه الشركات النفطية الكبرى نحو زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة وتقليل الاستثمار في إنتاج النفط، خاصة أن تكاليف الطاقة المتجددة انخفضت في حدود %35 بدعم من السياسات العالمية المشجعة لخفض نسبة الكربون وحماية المناخ، بينما لا ترى مؤسسة البترول الكويتية تلك الحقيقة وتصر على الاستمرار في إنتاج النفط الثقيل المكلف من دون حكمة ووعي لمستقبل استثماراتها النفطية التي تتطلب ظروفا مستقرة ولا يمكن الاطمئنان في ظل تدني أسعار النفط وتراجع الاقتصاد العالمي، فالمخاطر في هذه الأحوال جسيمة على المال العام.