مقالات

تحذيرات أم مخاوف؟!

 
 
 
حذرت الولايات المتحدة الأميركية ـ في بيان مكتوب نقلته وسائل الإعلام يوم الاثنين الماضي ـ مواطنيها من استخدام الطائرات بدون طيار الصينية الصنع، ووصف البيان الطائرات بأنها يمكن أن تشكل خطرًا بالتجسس الرقمي على الشركات والأشخاص الذين يستخدمونها، ووصفت مستخدميها بأنهم عرضة للخطر لأمور تتعلق بمهام تمس الأمن القومي أو مشروعات البنية التحتية الحساسة.
في المقابل، ورغم أن البيان لم يذكر اسم شركة محددة؛ لكن شركة “دي جي أي” الصينية لبيع الأجهزة الإلكترونية والطائرات بدون طيار قالت إنها اتخذت كل الإجراءات المطلوبة لحماية بيانات عملائها ـ بحسب ما قالته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي. وقالت في بيان مقابل “نعطي المستخدمين الحرية الكاملة لتحديد كيفية جمع بياناتهم وتخزينها وإرسالها”، ودافعت عن نفسها قائلة “بالنسبة للحكومة والعملاء المرتبطين بالأجهزة الحساسة ومشروعات البنية التحتية نستخدم طائرات لا تبث البيانات لشركتنا بشكل مباشر عبر الإنترنت، كما يمكن للعميل أن يُفعل إجراءات الحماية التي تقترحها وزارة الأمن الداخلي”.
ربما ينظر البعض إلى التحذير الأميركي على أنه جزء من تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين؛ لكن ثمة بعض المعطيات التي تنضح بالمخاوف الفعلية، أولها أن البيان صادر عن وكالة الأمن الرقمي والبنية التحتية الأميركية، وهي جهة أمنية يفتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب السيطرة عليها لسحبها إلى ملاعب الحرب التجارية مع بكين، كما أن سوق الطائرات بدون طيار في أميركا تسيطر عليه شركات صينية الأولى هي شركة “دي جي أي” التي تستحوذ 70% من حجم المبيعات، والثانية هي شركة” أونيك” ثاني أكبر شركة تبيع طائرات بدون طيار في الولايات المتحدة، وقدمت مبررات مماثلة للشركة الأولى خصوصا فيما يتعلق بالسماح للمستخدمين بتفعيل إجراءات الحماية لبياناتهم، إضافة إلى أن بيان الوكالة الأميركية تطرق لنقاط في غاية الخطورة، سواء بتوجيه اتهام للصين بأنها تضع البيانات أمام أجهزتها الاستخباراتية أو بالإشارة إلى أن حكومة بكين تضع قيودًا على هذه النوعية من الطائرات، وأعربت الوكالة صراحة عن خوفها بقولها “حكومة الولايات المتحدة تشعر بقلق كبير بخصوص المنتجات التكنولوجية التي تجمع بيانات المواطنين وتضعها في حيازة دولة يحكمها نظام أمني يمنح أجهزته الاستخباراتية الحق في الوصول إليها وإساءة استخدامها” – حسب ما نقلته وسائل الإعلام.
الآلة الإعلامية تناقلت الخبر ووزعته للإعلام العالمي في صورة “تحذيرات”؛ لكن مضمونه “مخاوف”، ويبدو أن الأجهزة الاستخباراتية الأميركية اكتشفت اختراق قواعدها الأمنية للمعلومات والبيانات، ولا تريد الإفصاح عنها جهرة إرضاءً للغرور الأميركي، وخوفا من الهزيمة النفسية والانكسار التكنولوجي أمام الصين.
البيان الأميركي كان غداة القرار الأميركي بفصل تطبيقات شركة جوجل الأميركية عن هاتف هواوي الصيني، كما أنه جاء بعد أقل من عامين على حظر الجيش الأميركي لجنوده من استخدام الطائرات بدون طيار التي تبيعها شركة “دي جي أي” بسبب مخاطر الأمن الرقمي؛ وهو المصطلح الذي قيل وقتها؛ أي أن الأمر لا يرتبط ببيانات أو منشآت أو حياة المواطنين الذين يشترون الطائرات الصينية، ورغم ذلك يبقى صمت الأجهزة الاستخباراتية الصينية مثيرا للجدل؛ لكنه في نفس الوقت يؤكد أن البيان الحكومي لواشنطن هو “مخاوف” رسمية وليس “تحذيرات” لحماية المواطنين.
 
أيمن حسين