أزمة الدولار دفعت إلى تأجيل سداد واردات القمح… و”ستاندرد تشارترد” يشير إلى قلق المستثمرين ووكالات التصنيف
تواجه مصر أزمة عنيفة في ما يتعلق بتوفير الدولار لتأمين الواردات (أ ف ب)
في مذكرة بحثية حديثة حذر بنك “ستاندرد تشارترد” من أخطار تمويل إضافية تواجه مصر خلال الفترة المقبلة، من بينها المدفوعات الكبيرة المطلوب سدادها لصندوق النقد الدولي، وموعد استحقاق السندات الخارجية، مما يقلق المستثمرين ووكالات التصنيف الائتمانية التي أعلنت خفض التصنيف الائتماني لمصر أكثر من مرة خلال الفترة الماضية.
وأوضح أن مصر بحاجة إلى سداد قرابة 25 مليار دولار سنوياً على مدى السنوات الأربع المقبلة من 2024 وحتى نهاية 2027، بما في ذلك 10.3 مليار دولار مدفوعات لصندوق النقد الدولي، و6.2 مليار يورو للسندات المقومة باليورو، خلال العامين الماليين المقبلين.
وتوقع البنك مزيداً من التراجع للجنيه المصري مقابل الدولار ليصل إلى 38.4 جنيه، مشيراً إلى أن التدفقات النقدية الخارجة أدت إلى تآكل صافي الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري، على رغم تعويض ذلك عبر تحسن الحساب الجاري على خلفية تراجع الواردات وزيادة عوائد قطاع السياحة والتدفقات من قناة السويس، على رغم تباطؤ تحويلات المصريين بالخارج.
وشدد البنك البريطاني على أن فوائد تخفيض قيمة العملة بالنسبة إلى الاقتصاد المصري أقل وضوحاً بالنظر إلى الأخطار العالمية التي لا تزال هشة، إلا إذا أسهمت في جذب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بخاصة من دول مجلس التعاون الخليجي، ورجح حدوث تقدم في مبيعات الأصول ومتطلبات صندوق النقد خلال الأشهر القليلة المقبلة، وموافقة المجلس التنفيذي للصندوق على المراجعة الأولى بالربع الثالث من 2023.
ضغوط تدفع إلى تأجيل سداد واردات القمح
وتواجه مصر أزمة عنيفة في ما يتعلق بتوفير الدولار لتأمين الواردات والتي بدأت منذ الربع الأول من العام الماضي بعد هرب أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى طلب تمويل جديد من صندوق النقد الدولي. ووضع الصندوق شروطاً عدة أهمها التحول إلى سوق صرف مرن، وهو مما تسبب في قيام البنك المركزي المصري بثلاثة تخفيضات كبيرة في قيمة الجنيه خلال العام الأخير.
وبسبب الأزمة أعلنت الهيئة العامة للسلع التموينية في مصر تأجيل فتح خطابات اعتماد لسداد واردات القمح تخفيفاً للضغوط الناجمة عن نقص العملة الأجنبية، ووفق وكالة “رويترز” قال وزير التموين علي المصيلحي “نحاول تخفيف الضغط على البنك المركزي، واتفقنا مع التجار على دفع مقابل الشحنات تدريجاً”.
وتجري عملية السداد عبر قيام البنوك المملوكة للدولة، نيابة عن الهيئة العامة للسلع التموينية، بفتح خطابات اعتماد مدتها 180 يوماً، ويتلقى الموردون مدفوعاتهم من البنوك عقب الشحن، وتسدد الدولة قيمة خطاب الاعتماد للبنوك خلال الفترة المذكورة.
لكن تأخرت البنوك وتحتاج إلى فتح خطابات اعتماد لما يصل إلى 11 شحنة قمح. وقال أحد التجار إنه “لم يحدث هذا التأخير من قبل إطلاقاً، لكن البلد لم يتعرض قط لمثل هذا الموقف، هذا جديد تماماً على مصر”.
مخاوف من تراكم المدفوعات المؤجلة
في الوقت نفسه يواصل الموردون المشاركة في مناقصات الهيئة العامة للسلع التموينية وتسليم القمح في الوقت المحدد، على رغم التأخير في سداد شحنات تعود إلى ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وقال أحد التجار “هذا الأمر غير مسبوق، لكن التجار يعرفون هيئة السلع التموينية جيداً، وليس لديهم شك تجاه الحصول على مستحقاتهم من الحكومة”. وأضاف “المدفوعات المؤجلة ستتراكم في نهاية الأمر على هيئة السلع التموينية. لا نصدر خطاب ضمان ثالثاً إن كان لدينا خطابان سابقان لا يقابلهما تغطية بخطابي اعتماد، وواجهنا ضغوطاً كبيرة لتفريغ شحنة قمح في الموانئ المصرية على رغم عدم وجود خطاب اعتماد لتغطيتها، وكانت شحنة ضخمة، لذا كان عليَّ الحصول على موافقة الرئيس التنفيذي للشركة”.
وحصلت مصر على قرض بقيمة 500 مليون دولار من البنك الدولي لتعزيز الأمن الغذائي، وذهبت خصيصاً نحو واردات القمح وتحديث وتوسيع صوامع التخزين، ووقعت اتفاقية تمويل بقيمة ستة مليارات دولار مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة للمساعدة في تأمين واردات البترول والقمح.
لكن أزمة العملة لم تؤثر في واردات القمح فقط، إذ ارتفع إجمالي المستحقات التي تدين بها الهيئة المصرية العامة للبترول لشركات الطاقة العاملة في البلاد بأكثر من ثلاثة أضعاف إلى ثلاثة مليارات دولار منذ منتصف عام 2020.
على رغم ذلك، يؤكد مساعد وزير التموين المصري إبراهيم عشماوي أن “مصر لن تتأخر يوماً تجاه سداد التزاماتها للمقرضين والمانحين، والشيء نفسه ينطبق على مشتريات القمح. لدينا أكثر من مصدر لتوفير التمويل اللازم لهذه السلعة والسلع الاستراتيجية الأخرى. تمديد أجل خطاب اعتماد مع أحد الموردين لا يعني أن مصر تأخرت في سداد مستحقات مشترياتها من القمح”.
ووفق البيانات المتاحة يغطي الاحتياطي الاستراتيجي من القمح حالياً ستة أشهر، مرتفعاً من مستوى 2.3 شهر في أبريل (نيسان) الماضي قبل بدء موسم الحصاد المحلي. اشترت الحكومة 2.9 مليون طن من القمح المحلي منذ بداية موسم الحصاد، بزيادة تبلغ نسبتها 20 في المئة على العام الماضي، كما باعت هيئة السلع التموينية 750 ألف طن من القمح المستورد عبر بورصة السلع.
سندات “باندا” لتمويل المشروعات الخضراء
في ما يتعلق بملف الديون، تتوقع وزارة المالية المصرية المضي قدماً في أول إصدار لمصر من سندات الـ”باندا” المقومة باليوان بقيمة 500 مليون دولار في الربع الثالث من العام الحالي. وقال وزير المالية المصري محمد معيط إن الوزارة تعمل في الوقت الحالي على وضع اللمسات النهائية على إجراءات طرح السندات في السوق.
وكان من المقرر في البداية تنفيذ الإصدار خلال الربع الأول من عام 2023، لكن “ظروف السوق الدولية الحالية جعلت من الصعب إصدار سندات جديدة في العام المالي الحالي”، وفق تصريحات معيط. وأعلنت وزارة المالية عن خطط إصدار السندات المقومة باليوان لأول مرة في عام 2019، لكن جرى تأجيلها بسبب تفشي الجائحة.
من المقرر توجيه حصيلة الطرح لتمويل المشروعات الخضراء، بما في ذلك مشروعات النقل الخضراء والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ومعالجة المياه وتمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والرعاية الصحية. وكان البنك الأفريقي للتنمية وافق الأسبوع الماضي على ضمان تغطية ائتمانية بقيمة 345 مليون دولار من الإصدار.
كان من المقرر أن يجري صندوق النقد الدولي المراجعة الأولية الخاصة بحزمة التمويل الأخيرة البالغة نحو ثلاثة مليارات دولار خلال الشهر الجاري، لكن مسؤولاً بالصندوق كشف قبل أيام عن أنه لم يتم الاتفاق حتى الآن على موعد للمراجعة الأولية للتمويل الذي تم إقراره في منتصف ديسمبر الماضي.
ويخضع صرف الحزمة في إطار برنامج 46 شهراً لثماني مراجعات، كان تاريخ أولها 15 مارس (آذار) 2023، بحسب ما ورد في تقرير خبراء الصندوق الذي نشر في ديسمبر الماضي. وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور “نحن في حوار منتظم مع السلطات من أجل التحضير للمراجعة الأولية وبدأت الاستعدادات لها وعندما نكون والسلطات مستعدين سنعلن موعدها”.