ألقى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني بظلاله على الانتخابات المشحونة في العراق الذي تتنافس فيه طهران وواشنطن على النفوذ منذ الغزو الذي أطاح بصدام حسين عام 2003.
فقد مهد القضاء على حكم الدكتاتور السني السبيل لصعود الأغلبية الشيعية في البلاد التي ينتمي إليها المتنافسون الثلاثة الكبار على رئاسة الوزراء بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. ومن الصعب التنبؤ بنتيجة الانتخابات التي تُجري يوم السبت.
وأيا كان الفائز سيتعين عليه الموازنة بين مصالح العراق، وكذلك ضرورة تقليص اعتماد الاقتصاد على النفط، ومصالح الولايات المتحدة وإيران. ومما يزيد من صعوبة هذه المهمة المساجلة المتصاعدة بين واشنطن وطهران.
والمرشحون الثلاثة الرئيسيون هم العبادي ومنافساه الرئيسيان، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وقائد الفصائل المسلحة المتشدد هادي العامري الذي يرأس تحالفا قويا من القوات شبه العسكرية تدعمه طهران. والثلاثة يميلون بشدة تجاه إيران.
ومع تزايد ضغوط ترامب على إيران سيتزايد عزم قيادتها الدينية الشيعية للحفاظ على دورها في مناصرة الشيعة في العراق.
فالعراق بالنسبة لإيران أهم دولة عربية بل أهم من سوريا ولبنان حيث تملك نفوذا سياسيا وعسكريا. ويرجع ذلك إلى أن إيران والعراق يشتركان في حدود واحدة وكذلك موقع العراق في قلب منطقة الخليج.
كذلك فإن العراق هو الطريق الرئيسي لنقل السلاح والمقاتلين إلى سوريا حيث نشرت قوات مع فصائل شيعية من العراق ولبنان لدعم الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية.
ويتمثل أحد المخاوف بالنسبة للعراق في خطر نشوب اشتباكات بين 5000 جندي موجودين على أراضيه وفصائل شيعية مسلحة تعمل اسميا تحت إمرة بغداد لكنها تتبع الحرس الثوري الإيراني والزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي.
وقال مبعوث غربي كبير ”العراقيون في غاية القلق. فهم لا يريدون أن يصبح العراق مسرحا جديدا… لحرب بين إيران والولايات المتحدة“.
وأضاف ”إذا نشبت حرب بين إيران والولايات المتحدة فسيحدث جانب منها هنا“.
وكانت الولايات المتحدة وإيران قد وجدتا عدوا مشتركا في تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر في فترة من الفترات على ثلث مساحة العراق وخاصة في شمال البلاد وغربها.
ويرجع جانب كبير من التقدم السريع الذي أحرزه التنظيم إلى انهيار الجيش العراقي بفعل السياسات الطائفية التي اتبعتها حكومة المالكي.
ويعزو كثير من العراقيين هزيمة التنظيم المتشدد إلى أمثال العامري والفصائل التي دربتها إيران لا إلى قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وقد تركز الدور الأمريكي في توفير القوة الجوية الضاربة بينما اعتمدت الولايات المتحدة على مقاتلين أكراد على الأرض في كل من سوريا والعراق.
* حرب بالوكالة
لكن رغم أن إيران ترى في العراق الدولة العربية ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى فإن بعض الخبراء يعتقدون أن طهران ستركز بدرجة أكبر على ساحة المعركة بين إسرائيل وسوريا.
وينذر الصراع هناك باستدراج إسرائيل. فبعد ساعات من إعلان قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي شنت إسرائيل غارات جوية على ما تقول إنه مواقع تابعة لإيران وحزب الله تدنو بالتدريج من حدود إسرائيل.
وقالت إسرائيل إن القوات الإيرانية في سوريا قصفت مواقع للجيش الإسرائيلي على الجبهة السورية أثناء الليل مما دفعها لتوجيه واحدة من أعنف ضرباتها في سوريا منذ بدأت الحرب هناك في 2011.
ووصفت وزارة الخارجية العراقية قرار ترامب بأنه ”متعجل وغير محسوب“ وقالت إن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي ”يصب لصالح التصعيد ولن يجني منه أحد غير الدمار وويلات الحروب التي عانت منها المنطقة كثيرا“.
وقال دبلوماسيون في المنطقة إن إيران ستستهدف في أسوأ السيناريوهات المحتملة مصالح أمريكية في العراق مثلما فعلت الفصائل في عام 2005 بإطلاق صواريخ على السفارة الأمريكية في بغداد. غير أن إيران ربما تفضل الابتعاد عن العراق واستخدام سوريا بدلا منه.
* المعضلة العراقية
مع ذلك يواجه قادة العراق الشيعة معضلة في كيفية موازنة السياسة بين الولايات المتحدة وإيران.
ويقول بعض القادة العراقيين ومنهم العبادي إنهم يريدون الابتعاد عن المساجلات الأمريكية الإيرانية.
وقال دبلوماسي غربي آخر إنهم ”سيرغبون في اتباع نموذج السياسات غير المنحازة ومصادقة الجميع“.
ويعتقد آخرون ومنهم العامري إن أهم علاقة للعراق هي العلاقة مع إيران وأن عليهم تدعيم هذه العلاقة.
ومن المهم أيضا بالنسبة للعراق بناء جسور مع طائفة الأقلية السنية رغم أن بعض الساسة يشعرون بالقلق من التقارب المبدئي الذي حققه العبادي مع السعودية السنية بعد عقود من الجفاء بين البلدين.
وقال الدبلوماسي الغربي الثاني مشيرا إلى التقدم الذي حققه تنظيم الدولة الإسلامية في 2014 ”أسوأ كوابيسهم أن يصحوا ليجدوا السنة أو العرب قد قضوا على تفوقهم وهيمنتهم على النظام مثلما حدث مع داعش“.
وأضاف ”في ذهنهم أن إيران ستكون ملاذهم الأخير عندما يحدث ذلك الكابوس… فعندما أعلن (تنظيم الدولة الإسلامية) دولة الخلافة كانوا (الإيرانيون) هم أول من هب لنجدتهم لا الأمريكيون ولا غيرهم“.
ولا يريد شيعة العراق أن تهيمن عليهم إيران لكن الخطوة التي أخذها ترامب هذا الأسبوع ضد طهران قد تجعل هذا الأمر أكثر صعوبة.
وقال الدبلوماسي ”بعد (قرار ترامب) السؤال هو كيف تنفذ سياسة متوازنة عندما تستخدم إيران المجال الجوي العراقي في تسليح فصائلها في سوريا؟ ماذا سيفعلون؟“
وربما تنفذ الفصائل القوية التي دربتها إيران ومولتها وسلحتها ويقودها العامري تعليمات طهران لا تعليمات بغداد.
وقد جعل الحرس الثوري الإسلامي الإيراني من الفصائل الشيعية في قلب قوات الحشد الشعبي بنيانا ينافس الجيش العراقي وقوات الأمن.
وكان الحرس الثوري قد فعل شيئا مشابها داخل جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية وهو ما ساعد طهران في إبراز قوتها العسكرية في مختلف أنحاء المنطقة