مقالات

تحولات المجتمع السعودي: المرأة خاتمة المعارك (3 من 3)

 
فارس بن حزام
 
خُتمت المعارك الفكرية في السعودية بنهاية ملف المرأة. معركة شرسة خاضها المتطرفون على مدى عقود، وخسروها بانتصار المرأة والمجتمع، وقبلها خسروا معارك فكرية وتنموية كثيرة في زمن قياسي.
 
 
ولا تُوجد مبالغة في وصف ما جرى بالمعركة والحرب الساخنة، لأن كل الأسلحة استخدمت ليكسب المتطرفون معركتهم. انتفضوا عندما سحب تعليم المرأة من منطقة نفوذهم، وشنّوا حرب تشويه شخصية ضد كل من فكر بتوظيفها، وهددوا المجتمع والحكومة بالويلات إذا نزلت الميدان.
 
لقد كانت المرأة بمثابة السلاح الأقوى لسيطرة المتطرفين على كامل المشهد المحلي. هي نصف المجتمع، ومنها السيطرة على البيت، والتأثير على النشء، والتحكم بمفاصل كثيرة في الدولة. لقد أيقن المتطرفون جيداً، ومنذ وقت مبكر، أن خسارة ملف المرأة بمثابة ضربة قاضية لوجودهم في الشارع. الوجود الذي فرضوه بتتبع سقطات الناس، وتخويف القطاع الخاص، وصناعة وهم التوازنات في الدولة.
 
بدت ملامح الخسارة في السنوات الأربع تتجلى مع كل خطوة حكومية إلى الأمام، إذ تحللت القيود الحكومية أمام الحركة التنموية، ولم تعد هناك محاذير أمام أي مشروع اقتصادي أو تنموي يصب في صالح البلاد ولا يُعارض ثوابته الدينية، استشعر المتطرفون الخطر يوماً بعد آخر، انتبهوا إلى جدية الحكم في التقدم وصرامة التطبيق، وبدأت الملفات المهملة تُفتح وتُناقش وتُحسم سريعاً، ومن ثم تأخذ طريقها إلى الواقع فعلاً.
 
في أعوام قليلة، عولجت تفاصيل كثيرة في أحوال المرأة الشخصية، ونزلت إلى سوق العمل. في القطاع الخاص تاجرة ومسؤولة وعاملة، ومع الحكومة بلغت مختلف المستويات، ولم يبق لها إلا أن تكون وزيرة وسفيرة، ولا أظن ذلك ببعيد.
 
إن الحكومة تعلم جيداً بتوفّر مليون وظيفة خفية للمرأة في القطاع الخاص، ولأجل ذلك بدأت تشريعاتها لخلق بيئة عمل مماثلة للأم وللفتاة. ربما البداية بتجفيف الأسواق من العمالة، التي أتت لتتعلم في السعودية، وإقرار قانون يحفظ كرامة الموظفة، ويحمي خصوصيتها.
 
لقد وفّرت الحكومة طوال نصف قرن فرصة التعليم للجنسين، وحققت تكافؤاً لافتاً بينهما، وقدمت الجامعات مئات الآلاف من الخريجين. أخذ الشباب فرصهم في العمل، وعاد ثلثا البنات إلى بيوتهن، فما فائدة التعليم الجامعي حينها، ولماذا كل هذه الخسائر على تعليم فتاة لا تنتج؟
 
واليوم، صار كل ذلك من الماضي، ولا شيء يعود. لقد كانت معارك احتجز فيها المتطرفون المرأة رهينة تارة، وتترسوا خلفها تارة أخرى. وأما حالهم اليوم مع عملها، فالموعد ليس بعيداً. سيشهد المجتمع تدافعهم السريع لتوظيف زوجاتهم وبناتهم. سيفعلون ذلك كما كان حالهم مع الفضائيات والإنترنت والابتعاث، حرموها وحذروا منها ومن ثم تسابقوا إليها.

admin