د. فايز رشيد
أعلن الرئيس محمود عباس في خطوة متوقعة أن المحكمة الدستورية الفلسطينية قررت حل المجلس التشريعيk والدعوة إلى انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر. وكانت آخر انتخابات للمجلس التشريعي الذي يمثل البرلمان الفلسطيني قد جرت عام 2006, لكن المجلس التشريعي يعاني من شلل أعماله منذ سيطرة حماس على قطاع غزة منتصف عام 2007, وتعقد الحركة جلسات منفردة لنوابها في غزة وسط مقاطعة باقي الكتل. لطالما هدد الرئيس عباس, باتخاذ خطوات كهذه على خلفية اتهامه حركة حماس بالمسؤولية عن تعطيل تحقيق المصالحة الفلسطينية لإنهاء الانقسام الداخلي. فقد قال خلال الاجتماع الأخير للقيادة الفلسطينية “إنّ قرار الدستورية جاء بعد مشاورات مع أعضاء المجلس المركزي, وإنّ هذا ما يتوجب فعله على الفور”. وأضاف أن “هناك قرارات حاسمة تتعلق بحركة حماس من جهة, وإسرائيل من جهة أخرى في حال استمر الانقسام الفلسطيني, وأصرت حماس على مواقفها, وفي حال واصلت إسرائيل اعتداءاتها واقتحاماتها المتكررة بالضفة الغربية والتصعيد على قطاع غزة”.
من زاوية أخرى توالت ردود الفعل على قرار الرئيس الفلسطيني بحل المجلس التشريعي, واستنكر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي أحمد بحر قرار المحكمة الدستورية برام الله وصرّح قائلا “إن محمود عباس فقد ولايته الدستورية والقانونية كرئيس للسلطة الفلسطينية منذ تاريخ 9 كانون الثاني/ يناير 2009″, مشددا على عدم شرعية تشكيل المحكمة الدستورية العليا. فيما يتعلق بإسرائيل, أوضح عباس أن أولى الاتفاقيات التي تتم مراجعتها معها, هي اتفاق باريس الاقتصادي, قائلا “طالبنا بإلغائه أو تعديله”. وينظم “اتفاق باريس” الموقع عام 1994, العلاقات بين دولة الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية في قطاعات الاستيراد والتصدير والضرائب والجمارك والبنوك والإنتاج والعملات المتداولة وحركة التجارة. وجدد عباس رفضه لـ”صفقة القرن” ورفض الحوار مع الولايات المتحدة “كونها طرفا غير نزيه وغير محايد”. وأضاف “سنبقى نقول للإدارة الأميركية.. لا”.
بداية, فإن القرار سيؤثر سلبا على الانقسام, الذي يتكرس يوما بعد يوم, حيث أصبح واقعا لا تنفع مداواته للأسف, مما يسهّل تمرير “صفقة القرن” إسرائيليا وأميركيا, بالرغم من الإجماع الفلسطيني على رفضها, فهو ولأنه أتى دون توافق فلسطيني وفي ظل انقسام مدمّر يفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة شئنا أم أبينا, فإنه يسهّل تمرير المؤامرات الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية. بالتالي سنكون أمام مشروعين بعيدين عن الإجماع الوطني الفلسطيني المفترض, والذي شعبنا لم يبخل بالتضحيات لقضيته على مدى قرن زمني, نحن بأمس الحاجة إليه. لقد شكل قرار الحل جدلا قانونيا وسياسيا فلسطينيا واسعا في أوساط شعبنا في كل أماكن تواجده, فهناك من يعتبره قرارا غير دستوري, وبين من يدعو إلى اغتنام الدعوة المصاحبة للقرار بعقد انتخابات باعتبارها وسيلة لإنهاء الانقسام. وهناك من يعتبر أنه يحمل بين طياته مخالفات دستورية وقانونية تجعله “باطلا وغير دستوري, وغير وطني وجريمة, ومخالفة للقانون الأساسي ولقانون المحكمة الدستورية”, مثلما يعتبره آخرون قرارا ذا طابع سياسي يجعل السلطات الثلاث بيد الرئيس الفلسطيني. القرار كذلك سيثير سؤالا حول حصانة النواب وعضوية المجلس التشريعي في الاتحادات البرلمانية والتمثيل البرلماني وبروتوكولات التفاهم مع برلمانات العالم. وهناك من يعتبر أن قرار حل المجلس التشريعي تأخر 11 عاما منذ حدث الانقسام، وتجاوزت هيئة رئاسة المجلس القانون برفضها انتخاب هيئة جديدة ليتعطل عمله، ويقتصر على اجتماع كتلة حماس البرلمانية في غزة فقط.
بالفعل فإن المجلس التشريعي متعطل وغير فاعل, وأن واقع الانقسام تجاوزه عبر قرارات وحكومات شكلت دون الرجوع إليه! لذلك فمن الحق التساؤل: أين المشكلة في الحل وإجراء انتخابات يقول فيها شعبنا كلمته؟ ولماذا اعتباره أمرا خطيرا ويتجاوز القانون, خصوصا أن مدة المجلس أربع سنوات, انتهت منذ زمن بعيد!
جملة القول: إنه وللحكم على صوابية قرار أو خطئه, فإن ذلك مرهون باستكمال جزئه الثاني, وفي حالتنا, الانتخابات الشعبية الحرّة والنزيهة, ولعل في ذلك خطوة تعزيز للمشروع الوطني الفلسطيني وتجاوز الانقسام.