تداعيات سياسية وعسكرية على هامش الحرب الإرهابية على سورية؟!

1

علي الدربولي
كشفت الحرب الإرهابية على سورية، وبحدة جارحة، ما كان مستورا من حقيقة سياسات معظم الحكومات العربية إزاء أكثر من قضية، كان يعتقد أنه لا يمكن الانفراد في التعامل معها، من باب وحدة المصير العربي المشترك؟! أهمها:
* قضية الصراع العربي الإسرائيلي التي أصبحت في المرتبة الثانية، أو ربما الثالثة، أو المعدومة أحيانا، في قائمة الاهتمام العربي المشترك، بحيث أصبحت في سلات المهملات السياسية لدى الحكومات التي رأت أن التعاون مع (إسرائيل) والتطبيع معها بدون شروط، أولى من الاستمرار بحالة العداء، حتى العداء الظاهر معها، طالما أن الدولة العظمى “أميركا” تريد ذلك لقاء دعمها استمرار النظم السياسية لتلك الحكومات، العائلية أو ما شابه، والذريعة كانت بخلق عدو جديد اتفق أن يكون “إيران”؟!
* القومية العربية، أو العروبة، والتي أراد لها أعداؤها ألا تبقى ذلك الانتماء أو ذلك الرابط التاريخي بين سكان شعوب المنطقة، لصالح طغيان الرابط الديني-المذهبي ذي الاتجاه الواحد المولد للفتنة، الفتنة التي نضجت طبختها على نار هادئة لدى استخبارات أعداء العروبة والإسلام على حد سواء.
دور الإرهاب
* تفعيل الإرهاب العالمي من قبل منتجيه في دوائر الاستخبارات العالمية: إذ أن أميركا وحلفاءها يستثمرونه لتحقيق المصالح االاقتصادية-السياسية في المنطقة العربية، وفي مناطق كثيرة من العالم الإسلامي، برغم ظاهر كل التحالفات الدولية لتي اخترعوها تحت عنوان مكافحة الإرهاب، فكانت النتيجة المبطنة هي إبرازه على أنه إرهاب إسلامي بامتياز. حتى ضاع صوت الإسلام المعتدل والسمح بين ضجيج سيوف وحشرجة أصوات ضحايا الإرهاب على يد من اتخذ الشكل إسلاميا، والمضمون جاهليا إلى أقصى الحدود؟!، وإعلام يعمل على أن ينتزع، بالتداعيات والخديعة، من نفس المسلم الضعيف سكينته وجزءا ليس بالهين من حقيقة إيمانه، فيجعله غير قادر على تمييز العدو الحقيقي للإسلام من غيره، أمام ما جرى ويجري على يد من تنطح لأن يكون ممثلا للإسلام(مجاهدا) بالسيف والسكين والنار، ذبحا وحرقا وتقطيعا للأوصال على طريق إحياء (الخلافة) الإسلامية، بزعم تحرير المسلم، بحسب ما يرونه كذلك، أينما كان من الظلم والطغيان، مع إهمال مشبوه ومقصود للظلم التاريخي الذي حل بأهل فلسطين وأرضهم من قبل دولة من صنع الغرب (إٍسرائيل). وهاهم ومن يشد على يدهم،صم بكم عمي، عن حقيقة كون فلسطين معيار كل حق، وبيضة قبان كل جهاد؟!
الدور الأميركي
* تأكيد أميركا على تعطيل الدور العربي عبر الجامعة العربية، بعد أن تم تجيير عملية اتخاذ القرارات فيها إلى حلفاء أميركا، فتم تخريب هذا الدور على يد هؤلاء الحلفاء، في مقاربتهم للقضايا العربية، فتحولوا إلى نسخ عن الرئيس المصري الراحل”أنورالسادات” عندما ركنوا إلى الاستراتيجية الأميركية برضى في منتهى الشبهة، وذلك في كل خطوة تخطوها أميركا على طريق تنفيذ مخططها (فوضاها) في المنطقة العربية على شكل (ربيع أحمر) مع ما نتج عن ذلك من خراب ودمار وسفك دماء؟!
* انتهاج أميركا، كدولة عظمى، أسلوب التخلي المباشر عن دور (الأخ الدولي الأكبر) البنّاء الذي يفترض أن تقوم به إزاء القضايا العالمية بحسب دستورها، ومنها قضية (الربيع الأحمر العربي)، من غير أن يتعظ معظم العرب الدرس، سيما وقد كان درس اتفاقيتي “كامب ديفد ووادي عربة” ومعهما اتفاق “اوسلو” من أبلغ الدروس التعليمية، على مستويي السياسة وإحقاق الحقوق، في هذا السياق؟! سيما ونهج الابتزاز المالي الذي يقود حملته على حلفاء أميركا الرئيس الأميركي: ترامب” نفسه، “المملكة السعودية: مثالا وعلى مستوى الدول الإسلامية كانت دولة “باكستان” التي هددها بقطع المعونات المالية عنها إذا لم تكن جدية في عدائها لحركة (طالبان) الأفغانية، ثم السلطة الفلسطينية، بعد أن هدد جميع المعنيين بالقضية الفلسطينية من أهل فلسطين ومن العرب وغيرهم، بقطع المعونات المالية وغيرها والضغط على الأمم المتحدة لإيقاف أعمال منظمة “الأونروا” إذا لم تتم الاستجابة من قبل هؤلاء، خصوصا الفلسطينيين، إلى الاستراتيجية الأميركية، ومنها قرار الرئيس الأميركي بخصوص جعل القدس الموحدة عاصمة لـ (إسرائيل) بناء على طلبها منذ زمن طويل.
دور روسيا
* من خلال الحرب الإرهابية على سورية برز الدور الروسي، وتمكن، بحنكة وتؤدة، من خطف الأوراق الضاغطة على حلفائها في المنطفة، وفي طليعتهم سورية، وتحويلها إلى فرصة صراع، يمكن معها وبقوة، كشف نوايا وخبايا جميع المتورطين في الحرب على سورية، انتقالا إلى تأمين الظروف الموضوعية والذاتية لإيجاد حل سياسي في سورية، إضافة إلى فرض قناعة لدى الغرب تقول بعدم الاستغناء عن دورها في بناء علاقات دولية ثنائية كاملة الندية، بعد أن أصبح تراجع الدور الأميركي الطاغي في العالم، حديث خلف الستارة، لن يطول زمن البوح به علنا بخصوص دعم الإرهاب، وحماية نخب (داعش) بحسب ما تسربه عبر الإعلام جهات روسية معنية، إضافة إلى شهود (العيان) في العراق وفي سورية، ما يؤدي في النهاية إلى تحطم المصداقية الأميركية إلى حد كبير على مستوى العالم.
دور مجلس الأمن
أكثر من مبعوث دولي تولى العمل على وضع أسس للحل السياسي في سورية، لكنه في آخر المطاف بقيت قرارات هذا المجلس رهينة مصالح الدول الكبرى الأعضاء الدائمين فيه، وبرغم اتخاذه قرارا يصنف (داعش) و(جبهة النصرة) كجهتي إرهاب تعملان بوحشية في سورية ضد الحكومة الشرعية، وجدنا كيف أن أكبر عضو دائم فيه يتهم على أنه يحمى الرؤوس الكبيرة من قادة الإرهاب ويستثمر فيه. هذا ما قامت وتقوم به أميركا، وهذا ما اتهم الأميركيون بعضهم فيه، وهذا ما أعلنته روسيا كدولة عضو دائم في المجلس، مع ما لمثل هذه التهم من تأثير على مستوى مصداقية أداء الدول الكبرى التي تغض النظر عن الإرهاب خارج أراضيها، ومصداقية حلفائهم بنفس الوقت؟! بالتالي نرى روسيا الاتحادية تعمل على لم شمل المعارضة والحكومة وجذب دول بعينها لتكون شاهدة، على اتفاق على حل سياسي بين السوريين. الجميع ينتظر مؤتمر “سوتشي” المزمع عقده في روسيا في آخر هذا الشهر أو في أوائل الشهر القادم…لتكون عهدة هذا العمل المعقد بيد روسيا، مثلما كانت عهدة إنجاز اتفاقات بين بعض الدول العربية و”إسرائيل” بيد أميركا. ما يأمله الجميع أن يكون الحل السياسي في سورية أكثر مصداقية وإخلاصا من قبل أطرافه المباشرة وغير المباشرة من المصداقية التي تمتعت بها اتفاقات ” كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو” على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي.

التعليقات معطلة.