سمير السعداوي
بأسلوب استعراضي على طريقة مسرحيات «برودواي» حطّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في دافوس لساعات، وقدم مداخلة لم تتضمن جديداً في سياسته، سوى إضفاء مزيد من الغموض على نياته، من خلال اللعب على تعابير مثل «أميركا أولاً» و «أميركا وحدها».
أميركا أو أي دولة أخرى مهما بلغ حجمها، لا تستطيع أن تعيش وحدها في هذا العالم، وهذا مفهوم بالنسبة إلى غالبية ساحقة من الناس، باستثناء الشعبويين وأصحاب النظريات العنصرية الذين لا يتوقفون عن محاولة «إعادة اختراع البارود»، والبحث عن صيغ جديدة، في حين ولّى زمن التجارب وبات واضحاً أن ثمة صيغة واحدة يتعين اتباعها هي «العولمة» ولو كانت بمفهومها الذي يحتاج إلى مزيد من الصقل لئلا يتحول مفهوماً مسطحاً كسائر النظريات التي لم تسهم في خدمة مبدأ التكامل بين الشعوب.
ترامب أول رئيس أميركي يشارك في دافوس منذ 18 سنة، أعاد على مسامع الحضور في المنتدى خطابه الروتيني وجدد فيه تمسكه بالتصدي لإيران وكوريا الشمالية و «داعش»، وحاول الإيحاء بتنازلات للحلفاء في قضايا التبادل التجاري و «الحمائية» التي لطالما لوّح بها، وذلك بعدما تبيّن له أن سائر القوى الاقتصادية مستعدة للتعاون بمعزل عن أميركا، الأمر الذي يهمش بالتالي موقعها نسبياً أو بالأحرى يخفف من وطأة ضغوطها لـ «لي ذراع» قوى مثل الصين وروسيا وحتى أستراليا.
ويأتي ذلك في وقت يخوض الرئيس الأميركي مواجهة مع جيرانه بعدما حاول فرض إعادة التفاوض في شأن اتفاقية التبادل الحر بين دول أميركا الشمالية (نافتا) التي تضم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. ويمارس عالم المال والأعمال ضغوطاً متزايدة على ترامب لحمله على عدم التشبث بموقف متطرف في نزعته الحمائية خلال مفاوضات مع كندا والمكسيك تجري في مونتريال هذا الأسبوع.
لعل أحد أقوى التعليقات على خطاب «سيد البيت الأبيض» صدر عن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين الذي اعتبر دعوة ترامب الدول إلى السعي وراء مصالحها الخاصة، بأنها موقف «ينتمي إلى القرن العشرين».
وكذلك يمكن قول كلام أكثر تعبيراً عن الإحباط وربما الصدمة في ما يتعلق بإعلان واشنطن أنها لن تزود وحدات حماية الشعب الكردية في سورية مزيداً من الأسلحة. وهذا موقف ما كان يتعين أن يتخذ في ظل «تهديدات» من جانب الرئيس رجب طيب أردوغان، إذ يظهر أميركا وكأنها في حال ضعف وتراجع بدل أن تكون في موقع قيادي كما يفترض بها أن تكون في الأزمات.
«أميركا أولاً ليست أميركا وحدها»، حسناً، لكن أميركا تلك، أليست القوة العظمى التي تتمتع بموقع الريادة، أم أنها تخلت عن موقعها هذا لمصلحة روسيا التي تبدو أكثر ثقة وقدرة على التعاطي مع مصالحها الإقليمية، وأكثر استعداداً في الوقت ذاته للمساهمة في اجتراح حلول للأزمات؟ هذا لا يغفل بالتأكيد أن الصمت الروسي عن عملية أردوغان في شمال سورية يتساوى سوءاً مع لامبالاة أميركا حيال التهديدات التي يواجهها الأكراد. وقد يكتشف بعض الرأي العام الغافل عن الحقيقة، وجهاً آخر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعكس بدوره أنانية ومصلحية لكن بطريقة تختلف عن «استعراضيات» ترامب.
لعلهم في النهاية متساوون جميعاً في تفضيل مصالحهم وأنانياتهم وتجاهلهم لقضايا الشعوب ومآسيها، غير أن ثمة أسلوباً يمكن معه تفادي طرح أفكار غريبة والتلهي في إثارة ضجيج حول خلافات كواليس السلطة في واشنطن، وهي «مؤرقات» تكاد تلاحق ترامب ولو حلّ في القطب الشمالي