بقلم : غالب قنديل
يدور لغط كثير عن احتمالات عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد الفائض الفضائحي الذي أضافه كتاب مايكل وولف عن “نيران البيت” وقد انتشر الكتاب داخل الولايات المتحدة وخارجها بصورة استثنائية وتكاد تكون غير مسبوقة بفعل ما تردد عنه من معلومات في وسائل الإعلام وما نشر حوله ومع الجهود الاستثنائية الفاشلة التي بذلها البيت الأبيض لحجب هذا الكتاب عن القراء أملا في منع التداعيات التي كشفها العصاب الشديد للرئيس الأميركي في الكلام عن الموضوع.
لأن القضية فضائحية فهي تتصدر الإعلام الأميركي واستطرادا العالمي وتثير مزيدا من التداعيات والتفاعلات لكن السؤال الفعلي هو هل هناك مناخ يفيد باحتمال السير في عملية دستورية لإزاحة الرئيس الأميركي؟
الإجابة على هذا السؤال المطروح بإلحاح تفترض اعتماد أسلوب الاحتمالات والتحسب لمفاجآت غير عادية او مألوفة امام شخصية الرئيس الأميركي الوافدة إلى الرئاسة من خارج الأندية التقليدية المتخصصة في إنتاج الرؤساء لكنه ليس فريدا في ذلك بالمطلق فقد سبق للجمهوريين وبالذات لأركان حزب الحرب والمحافظين الجدد ان رشحوا الممثل الهوليودي الثانوي رونالد ريغان وتحلقوا حوله في قيادة الإمبراطورية الأميركية إلى مرحلة الخروج من عقدة فيتنام وشن حروب وتدخلات عسكرية في العالم وخصوصا في منطقة الشرق العربي ولا سيما في أفغانستان حيث أعد المسرح الكبير لاستنزاف الاتحاد السوفيتي بواسطة جماعات طالبان والقاعدة وكانت حقبة ريغان ميدان اختبار فرص الإنتاج المنظم لقوى الإرهاب التكفيري التي لا تزال احتياطا استراتيجيا لحروب الوكالة الأميركية المتنقلة.
مع دونالد ترامب برز الدور الحاسم لجنرالات البنتاغون وتم الإقصاء التدريجي لأركان فريقه من المحافظين المنتمين إلى ما اصطلح على تسميته باليمين الشعبوي ويمكن القول ببساطة إن ما جرى هو إخضاع شامل لدونالد ترامب لحساب المؤسسة الحاكمة التي أعلن تمرده عليها في خطاب التنصيب وهو خضوع نافر جدا منذ فتح التحقيق القضائي في اتصالات حملته الانتخابية بالإدارة الروسية .
لماذا يطوق الجنرالات الرئيس الأميركي وتحرص المؤسسة العسكرية على الحضور المباشر لأركانها المخططين في غرف اتخاذ القرار الرئاسي دون منازع ؟ ببساطة لأن الإمبراطورية رغم مظاهر جبروتها تمر في اوقات حرجة لا تحتمل أي قدر من المغامرة او التهور وقد منعت المؤسسة الحاكمة تنفيذ ترامب لأهم وعوده الدولية بالانفتاح على روسيا بتحويل ملف الاتصال بموسكو إلى مادة اتهام جاهزة للتحول إلى بداية لعملية إبطال الانتخابات الرئاسية وعزل الرئيس الذي انتخب في حصيلتها .
ومن مصادر قلق المؤسسة المسألة الكورية على سبيل المثال وهي قضية تثيرها المؤسسة لتمارس بواسطتها ضغوطا غير مباشرة على كل من روسيا والصين بينما تتبنى نهجا هجوميا واستفزازيا ضد إيران بدفع من اللوبي الصهيوني واسع النفوذ في صفوف اليمين الأميركي عموما والموجود في قلب البنتاغون إلى جانب مجمع الصناعات الحربية وليس فحسب في عائلة ترامب من خلال صهر الرئيس جاريد كوشنير الذي جرى تحجيم حضوره نتيجة اشتراكه في تغطية مغامرات خطرة لأمير التاج السعودي محمد بن سلمان مثل اعتقال رئيس الحكومة اللبناني الذي استثار ردود فعل ناقدة بشدة داخل المؤسسة الحاكمة ولدى الشريك الفرنسي الذي لا غنى عنه.
طالما يلبي ترامب مشيئة المؤسسة الحاكمة ويواصل خضوعه لجنرالات البنتاغون فهو على الأرجح باق في منصبه يواصل دوره المرسوم تحت سيطرة الجنرالات واللوبي الصهيوني وإلى ان يتحول عبئا على المؤسسة الحاكمة وهذا ما لم يحصل بعد وحتى ذلك الحين فكل الضجيج وكومة الفضائح تضاف لرصيد ثقيل في خانة المؤسسة الحاكمة التي تستخدمه في ترويض وضبط رئيس مشاغب وصعب المراس وقد أثبتت هذه الآلة جدواها حتى الآن ولا تبدو ثمة حاجة لتحول درامي كبير وما يدور من ضجيج ليس سوى الصدى لحملات الضغط الأميركية وهو جزء من التسويق المحكم لكتاب بات شغل العالم الشاغل وأهم مافيه قصة الشراء السعودي للمساندة الأميركية في حفلة المليارات التي شحنها ترامب معه من الرياض وهي غنائم توزعتها القوى الاقتصادية والمالية الرئيسية المهيمنة على المؤسسة الحاكمة ومهما قيل غير ذلك في هذه الصفقة فقد أثار ترامب رضى وإعجاب الاحتكارات النفطية والعسكرية الكبرى المتعطشة للصفقات السخية في زمن الشح والركود كما لبى خطط اللوبي الصهيوني في قراره حول القدس ومن خلال دوره الرئيسي في التقارب السعودي مع الكيان الصهيوني والتحضير لما يسمى بصفة القرن وما عدا ذلك تفاصيل وثرثرات لن يأبه لها البيت الأبيض وجنرالاته حراس الإمبراطورية وهيمنتها الأحادية المهددة في العالم.