ترامب والدولة الفلسطينية

3

افتتاحية صحيفة الخليج الإماراتية

إذا صدقت التكهنات بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدرس الاعتراف بدولة فلسطينية خلال جولته الخليجية المرتقبة الأسبوع المقبل، فسيكون لهذا الحدث وقع الزلزال سياسياً، وسيمنح القضية الفلسطينية ورقة كانت مستحيلة حتى وقت قريب، ويمنحها دفعة معنوية كبيرة في سياق ما تلقاه من تعاطف دولي واسع بسبب جرائم العدوان الإسرائيلي على غزة.

الموقف الأمريكي حاسم في الأزمات الدولية الكبرى، ومنها القضية الفلسطينية، التي سيبقى مصيرها معلقاً على واشنطن، باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على فرض الحلول، خصوصاً على إسرائيل، التي تنتهك الشرعية الدولية وتتطاول على الأمم المتحدة، إضافة إلى ما ترتكبه من فظاعات وإبادة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المنكوب والضفة الغربية المستباحة، فضلاً عما تمثله من تهديد للأمن الإقليمي وإضرار بالمصالح الأمريكية، خصوصاً مع ترامب، الذي يراهن على استقرار المنطقة لبناء شراكات جديدة مع مختلف دولها لتأسيس عصر جديد من التنمية والازدهار، وهو في توجهه هذا لا يستثني إيران التي يفاوضها حول برنامجها النووي للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعلاقات إيجابية بين البلدين.
إذا كان ما سبق هو الرهان الأمريكي فعلاً، فلن يكون عزيزاً عليه الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإنصاف شعبها المظلوم والمضطهد ومنحه حقوقه المشروعة. فهذا الاعتراف سيسرع خطوات إقامة الدولة على أنقاض الاحتلال، وفق ما تنص عليه مقررات الشرعية الدولية، وتنادي به المنظمات والهيئات الأممية، وانتفض من أجله الضمير الإنساني، خصوصاً في الأشهر القليلة الماضية، جراء ما ترتكبه إسرائيل من إبادة وتدمير وتجويع لسكان غزة. وأبلغ رد على ذلك سيكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية والعمل على وقف الغطرسة الإسرائيلية ومحاسبة من أجرم بحق النساء والأطفال والنازحين وموظفي الأمم المتحدة والأطباء وفرق الإغاثة الإنسانية.
إقامة الدولة الفلسطينية مفتاح السلام في المنطقة، وفي حال اعترف ترامب بها، فسيمنح الولايات المتحدة قيمة مضافة ويوفر ضمانة تمتد عشرات السنين لمصالحها وشراكاتها مع دول الإقليم. أما تعذر ذلك، فسيعني مزيداً من التوتر والحروب في المستقبل، ولن تعرف إسرائيل الأمن الذي تتوهمه بقتل الشعب الفلسطيني وتهجيره، ولن تكون البيئة مثالية للمصالح الأمريكية، في ضوء المنافسة الحامية مع قوى عالمية عظمى مثل الصين وروسيا، ووجود توجه أوروبي لتوسيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مثلما فعلت العام الماضي كل من آيرلندا وإسبانيا والنرويج، وربما تتجه فرنسا وبريطانيا إلى اتخاذ الخطوة ذاتها الشهر المقبل.
العالم المثخن بالأزمات بحاجة إلى قرارات شجاعة حتى يتنفس. وبينما هناك تفاؤل بالتوصل لإنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ها هما الهند وباكستان تتوصلان إلى وقف فوري لإطلاق النار بعد اشتباكات استمرت أربعة أيام، وكادت تدفع البلدين إلى أتون صراع نووي، وقد لعب ترامب دوراً حاسماً في التوصل إلى هذا الاتفاق، إلى جانب جهود دول عدة. ومع ذلك ستبقى القضية الفلسطينية تنتظر شجاعة سياسية وجرأة مطلوبة في هذا الوقت، وبإمكان ترامب أن يكون صاحب الإنجاز إذا كان فعلاً يؤمن بالإنصاف ويريد أن يدخل التاريخ من الباب الكبير.

التعليقات معطلة.