عبد الفتاح عبد المنعم
أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى، وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، فى واحدة من تحليلاتها الرائعة وضعت وكالة «إيفمبريت» دراسة خطيرة عن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية باسرائيل وهى العلاقه التى تسببت فى فرملة أى مشروع تنموى وديمقراطى حقيقى فى المنطقة.
حول موقف الولايات المتحدة من الاعتداءات الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة، تشير الدراسة إلى أن السياسة الأمريكية تتماهى مع الاعتداءات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية، ويقف الأمريكيون دومًا موقفًا متصلبًا منحازًا بشكل واضحاً للكيان الصهيونى، على الرغم من محاولتهم إظهار شىء من التوازن فى بعض القضايا، وبالتوازى مع هذا فإن هناك الأغلبية الطاغية على الكونجرس من الصهاينة ووجود أكبر تجمع يهودى فى الولايات المتحدة الذى يجعل الموقف الأمريكى متعنتًا وصارمًا أمام أى قرار يصدر عن مجلس الأمن ويتضمن إدانة «إسرائيل»، بل واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو مرات عدة فى سبيل عدم صدور أى قرار يدين حليفتها الأولى فى المنطقة، على الرغم من ضخامة مصالحها لدى الدول العربية.
ففى عام 1995م، أقر الكونجرس الأمريكى قانون نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهى تعليمات نفذها ترامب وقرر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس منذ فترة قريبة الذى يعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وذلك خلافًا للاتفاقيات والتعهدات الأمريكية السابقة التى تتحدث عن السلام وتعمل باتجاه معاكس له، وفى 2016م، عاد ترامب ووعد مرة أخرى بنقل السفارة إلى القدس، ثم اضطر إلى التوقيع على الوثيقة الخاصة بتأجيل نقلها، مدعيًا أنه يعطى فرصة للأطراف للتوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين وتجنب إثارة غضب الفلسطينيين والدول العربية والحلفاء الغربيين، وإن كان هذا التبرير الشكلى مقبولاً إلا أن الحقائق وراء هذا القرار أكبر من ذلك بكثير وفى مجملها تصب فى مصلحة وتحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص. بشكل عام، اتخذت السياسة الأمريكية طابعًا تبريريًا حيال الاعتداءات الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة، ما جعلها شريكًا مباشرًا فى الانتهاكات والجرائم التى تمارسها دولة الاحتلال ضد شعب أعزل، وبذلك يظهر التناقض الكبير بين ما تعلنه الولايات المتحدة وما تقوم به على أرض الواقع، والأمثلة لا حصر لها ولا عدد، فتارة ترفض تغيير الوضع القائم فى القدس الشرقية، وتارةً أخرى تعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وقد ظهر ذلك التناقض جليًا خلال الحملة الانتخابية عام 2016م، وكذلك فيما يتعلق بالمستوطنات ففى الوقت الذى طالب ترامب فيه الكيان الصهيونى بإزالة المستوطنات المقامة فى الأراضى المحتلة عام 1967م، وتجميد الاستيطان عندما زار المنطقة فى مايو 2017م، إلا أنه لم يتخذ أى موقف من إعلان الحكومة الإسرائيلية بعد هذه الزيارة بناء مئات الوحدات السكنية الجديدة، لا بل ووصل العهر السياسى حد التباهى من قبل «نتنياهو»، بأن حكومته حققت أكثر نسبة فى بناء المستوطنات على الأراضى الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وذلك بعد إبلاغه لوزراء كبار بإلغائه القيود على بناء مستوطنات فى القدس الشرقية، وتصريحه القائل «بوسعنا البناء حيثما نشاء وبقدر ما نريد».
كما لم تعلق الإدارة الأمريكية على قرار الحكومة الإسرائيلية غير المسبوق الذى يمنح المستوطنين فى الخليل حق تشكيل مجالس خاصة لإدارة شؤونهم، الذى اعتبر صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بأنه قرار ضد الفلسطينيين، وكذلك لم تدين الاعتداءات المتكررة والاقتحامات من قبل قادات سياسية ودينية صهيونية لباحات المسجد الأقصى.
رابعًا: الموقف الفلسطينى من الوساطة الأمريكية:
وهنا تشير الدراسة إلى أن القيادة الفلسطينية فى رام الله أعربت عن عدم تفاؤلها بزيارة الوفد الأمريكى الخاص بعملية السلام، حيث صرح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية «أحمد مجدلانى» بأن الوفد الأمريكى للسلام لم يحمل أى جديد، كما أن عدم تحديد الوفد موقفه من الحل السياسى يعد «مراوغة» لصالح إسرائيل، مشددًة على أن امتناع الإدارة الأمريكية عن الالتزام بالموقف التقليدى الذى يؤكد على حل الدولتين ووقف الاستيطان «سيغلق الباب أمام أى عملية سياسية، وسيضع الإدارة الأمريكية أمام موقف يمنعها بالقيام بدور الراعى للسلام»، من ناحيتها اعتبرت الخارجية الفلسطينية فى رام الله فى بيان أصدرته مؤخرًا أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو حول المستوطنات تمثل طعنة فى ظهر الجهود الأمريكية الهادفة لاستئناف المفاوضات، وتقضى على فرصة التوصل إلى حل سياسى للصراع على أساس حل الدولتين.
وعلى ذلك، فإن الموقف الفلسطينى يرى بعدم نزاهة الوساطة الأمريكية، فقد صرحت القيادة الفلسطينية بأنها لن تعود إلى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلى قبل أن يحدد الراعى الأمريكى للسلام موقفا واضحا من حل الدولتين، مع تحديد سقف زمنى للمفاوضات ووقف الاستيطان. كما صرح الناطق باسم الحكومة الفلسطينية «يوسف المحمود» أن الهجمة الاستيطانية الأخيرة هدفها إنهاء أية فرصة للسلام، وحمل المجتمع الدولى المسؤولية عن تقاعسه فى محاسبة الاحتلال الإسرائيلى على انتهاكاته.
أما على مستوى الحراك الشعبى الفلسطينى، فهناك رفض شعبى ضاغط على القيادة يطالب بعدم الثقة والتعاطى مع الإدارة الأمريكية الراعى «غير النزيه» والداعم للاحتلال، وقد جاء هذا الموقف نتيجة للمواقف الأمريكية المتتالية والمتزايدة التى تدفع باتجاه استمرار الاحتلال الإسرائيلى بشتى الوسائل.