ترامب يعود إلى الشرق الأوسط لاجتثاث إرث الديمقراطيين… وأول الخاسرين: طهران

7

 

عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وعاد معه خطاب الصدام المباشر مع الخصوم الإقليميين، وفي مقدمتهم إيران. فالرجل الذي وصف الاتفاق النووي مع طهران بأنه “أسوأ صفقة في التاريخ” يعود اليوم إلى الشرق الأوسط بجولة محورية تشمل السعودية، الإمارات، وقطر، حاملاً مشروعًا يتجاوز التحالفات التقليدية، إلى ما يشبه إعادة رسم جذري لخارطة التوازنات في المنطقة.

لكنّ الملمح الأبرز في هذه الجولة هو أنها لا تُقرأ كسلسلة من الزيارات البروتوكولية، بل كمحاولة منظمة لاجتثاث إرث الديمقراطيين من الشرق الأوسط، خصوصًا ذلك الإرث الذي سمح لإيران بالتوسع، وفرض منطق “الاحتواء الناعم” في مواجهة أزمات الإقليم.

 

إيران.. الخاسر الأول في معركة العزل الاستراتيجي

منذ دخول ترامب مجددًا إلى سدة الحكم، بدأت طهران تتلمّس متغيرات مقلقة: تصعيد سياسي، عودة للعقوبات القصوى، إعادة إحياء ملف التهديد النووي في مجلس الأمن، وإشارات متكررة إلى نية الإدارة الجديدة تفكيك شبكات إيران الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

زيارة ترامب للخليج تحمل دلالة واضحة: المشروع الإيراني لم يعد قابلاً للاحتواء، بل للإزاحة. والرسالة تُوجَّه بوضوح ليس فقط لطهران، بل أيضًا لحلفاء واشنطن التقليديين الذين تراخوا أو تماهوا مع النفوذ الإيراني في مراحل سابقة.

 

الرياض وأبوظبي.. شراكة هجومية في مواجهة طهران

السعودية والإمارات تنظران إلى زيارة ترامب كمؤشر واضح على عودة واشنطن إلى سياسة الحسم، لا التفاوض. فبعد سنوات من القلق الخليجي من غموض الموقف الأميركي، يبدو أن القيادة الجمهورية الجديدة تعيد تطمين الشركاء بأن زمن المهادنة مع طهران قد انتهى، وأن الولايات المتحدة مستعدة لتغطية أي تحركات سياسية واقتصادية أو حتى أمنية للحد من نفوذ إيران.

الاتفاقات المتوقعة خلال الزيارة تتجاوز الاقتصاد والطاقة، إلى تنسيق استراتيجي يعيد تعريف الخطر الإيراني كمهدد مباشر للاستقرار الإقليمي، ويضع الخطط لمواجهة منظومة وكلاء إيران في ساحات متعددة.

 

قطر.. الشريك المتردد في ميزان الضغط الأميركي

اختيار ترامب لقطر ضمن جولته يحمل أبعادًا معقدة، بالنظر إلى العلاقة الحساسة بين واشنطن والدوحة، خاصة في ظل التقاطعات القطرية مع ملفات مثل الوساطة مع طالبان وإيران، وملف غزة وحركات الإسلام السياسي.

لكنّ الضغط الأميركي هذه المرة يبدو مختلفًا. ترامب لا يبحث عن المجاملة، بل عن تموضع واضح. ومع تنامي الحديث عن “محور معتدل” في الخليج يعمل بالتوازي مع واشنطن لتقليم أظافر إيران، ستكون الدوحة أمام اختبار سياسي حقيقي لتحديد موقفها بعيدًا عن التوازنات السابقة.

 

إسرائيل… نتنياهو الخاسر السياسي في لحظة انقلاب المفاهيم

اللافت في هذه الجولة أن ترامب لا يحمل لإسرائيل فقط رسائل دعم كما في ولايته السابقة، بل أيضًا رسائل تصحيح. العلاقة مع بنيامين نتنياهو تشهد توترًا خفيًا منذ أشهر، بلغ ذروته مع موقف ترامب الرافض لاستمرار الحرب في غزة، وتلميحاته المتكررة لإمكانية إعلان دعم واضح لحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية.

هذا التحول لا يعكس فقط رغبة في التوازن، بل قراءة عميقة لتآكل صورة إسرائيل دوليًا نتيجة حرب غزة، ومحاولة من ترامب لاستعادة الهيمنة الأميركية على ملف السلام من بوابة المصالح لا الإيديولوجيا. بالنسبة لنتنياهو، هذا الموقف أشبه بصفعة سياسية تأتي من أقرب حليف سابق.

 

العراق… القلعة الأخيرة بانتظار من يقتحمها

العراق، الذي ظل ساحة نفوذ شبه حصرية لإيران بعد انسحاب القوات الأميركية، أصبح اليوم على طاولة البحث الجاد في واشنطن. فترامب يرى أن أي مشروع لإقصاء طهران لن يكتمل دون تفكيك بنيتها في العراق، المتمثلة في الأحزاب المسلحة والاقتصاد الموازي والولاء السياسي العابر للحدود.

تشير مصادر إلى أن ترامب سيطلب تنسيقًا خليجيًا لإعادة صياغة المشروع العراقي، ودعم قوى وطنية مدنية، وتكثيف الضغط السياسي والإعلامي على منظومة الحكم المدعومة من طهران. العراق هو “الجائزة الكبرى”، وإذا تغيرت معادلته، فإن كامل خارطة الشرق الأوسط ستتغير تبعًا لذلك.

 

الموقف الإقليمي والدولي… ترحيب حذر ومراقبة أوروبية

إقليميًا، تسود حالة من الترحيب الهادئ، خاصة في الدول التي ترى في إيران خطرًا وجوديًا، لكنها في الوقت ذاته تترقب حجم التصعيد الذي قد ينتج عن السياسات الترامبية الجديدة. أما على الصعيد الأوروبي، فهناك انقسام واضح: بعض العواصم مثل باريس ولندن تتقاطع جزئيًا مع توجهات واشنطن الجديدة، فيما تلتزم برلين وبروكسل الحذر، مفضلة المسار الدبلوماسي الذي لم يأتِ بنتائج ملموسة منذ 2015.

 شرق أوسط جديد بصيغة أكثر وضوحًا

عودة ترامب إلى الشرق الأوسط ليست مجرد جولة سياسية، بل إعلان صريح عن نهاية مرحلة وبداية أخرى. مشروع “التهدئة” الذي تبنّته إدارات سابقة أُعلن عن وفاته، والمشهد الجديد يرتكز على أدوات القوة لا المجاملة، وعلى إعادة بناء المحاور وتحديد الأعداء بوضوح.

في هذه المعادلة، طهران تقف على رأس قائمة الخاسرين، والعراق هو الحلقة الأضعف التي قد تتحول إلى المفتاح الأكبر للتغيير. أما إسرائيل، فقد تجد نفسها أمام رئيس أميركي لا يهادن في الملفات الأمنية، لكنه في الوقت ذاته لا يُجامل إن خرجت الحرب عن السياق الأميركي.

التعليقات معطلة.