مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتغير المعادلات في الشرق الأوسط، وتبرز معادلة 1979 كواحدة من أكثر المشاريع الدولية التي تواجه خطر الانهيار. فمنذ الثورة الإيرانية، لعب هذا التفاهم الضمني بين واشنطن وطهران دورًا في تحديد شكل المنطقة، لكنه بات اليوم عبئًا على الجميع، سواء في إيران نفسها أو في الدول التي استثمرت في المشروع الإيراني. والآن، برفع ترامب يده عن هذه المعادلة، يجد جميع المرتبطين بها أنفسهم في مواجهة مصير محتوم.
معادلة 1979… حصانة انتهت
عند سقوط الشاه وصعود الخميني، لم يكن ذلك مجرد تغيير داخلي، بل كان جزءًا من إعادة هندسة التوازنات في الشرق الأوسط، حيث قبلت واشنطن بإيران كقوة إقليمية تحت مبدأ “الاحتواء”، مما سمح لطهران بتوسيع نفوذها عبر الحرس الثوري وشبكة واسعة من الفصائل الموالية. هذه السياسة استمرت حتى بعد غزو العراق، حيث استفادت إيران من الفراغ السياسي، لتصبح لاعبًا رئيسيًا في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
لكن ما كان يُنظر إليه كواقع سياسي ثابت بدأ يتآكل مع صعود ترامب في ولايته الأولى، حيث انسحب من الاتفاق النووي ووجه ضربات مباشرة لقادة المشروع الإيراني، مثل قاسم سليماني. ومع عودته إلى الحكم، لم يعد هناك مجال للغموض الاستراتيجي، بل إن واشنطن اليوم تقف بوضوح ضد هذه المنظومة.
من هم أبرز المهددين بالسقوط؟
النظام الإيراني: منذ عقود، اعتمدت طهران على مساحة التحرك التي وفرتها لها المعادلة الأميركية-الإيرانية غير المعلنة، لكن اليوم تواجه ضغوطًا أكبر من أي وقت مضى. العقوبات الاقتصادية أصبحت أكثر إحكامًا، والاضطرابات الداخلية تتزايد، والخطاب الأميركي الجديد لا يلمح إلى مفاوضات، بل إلى مواجهة مفتوحة.
الفصائل العراقية:
الجماعات المسلحة التي صنعتها إيران في العراق كانت جزءًا من آلية فرض النفوذ، لكنها الآن اصبحت هدفا رئيسي للاستهدافات الجوية والعقوبات في المستقبل القريب. لم يعد هناك تبرير سياسي أميركي أو دولي لبقائها، خاصة بعد فشلها في إدارة السلطة، وسخط الشارع العراقي عليها.
ضربات موجعة لحزب الله وحماس
شهدت الساحة اللبنانية ضربة قاضية لحزب الله، إذ نفذت إسرائيل هجومًا نوعيًا في بيروت أدى إلى مقتل أبرز قادته وعلى رأسهم حسن نصر الله، ما ترك فراغًا قياديًا كبيرًا داخل الحزب وأثار تساؤلات حول مستقبله ووضعه السياسي وفي نفس السياق، تعرضت حركة حماس لضغوط شديدة، حيث شنت إسرائيل جولة جديدة من الهجمات العسكرية الان تهدف إلى تقليص قدراتها وإخراجها نهائيًا من معادلة الصراع في المنطقة وهذا التوجه يشمل حزب الله في لبنان .
سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الدعم الإيراني
أما في سوريا، فقد وصل التغيير إلى نقطة الحسم؛ إذ سقط نظام بشار الأسد، وأصبح الأسد لاجئًا في موسكو، مما أدى إلى فراغ سياسي حقيقي في دمشق. وقد كان النظام السوري منذ سنوات مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بإيران، فأنهار النظام بعد تخلي طهران وروسيا الحليفتين عنه. في ظل تحولات اقليمية جديدة قادتها تركيا الداعمة للفصائل المسلحة التي كانت عنوانا غير دقيقا على انها هي من اسقطت الاسد.
اليمن: تداعيات الضربات على الحوثيين
اليمن ليس بمنأى عن الانهيار الذي تتعرض له معادلة 1979، بل هو أحد أهم ساحات الصراع التي تشهد تحولات متسارعة. فالحوثيون، باعتبارهم أحد أبرز أذرع إيران في المنطقة، تعرضوا في الأيام الأخيرة لسلسلة ضربات جوية من قبل الولايات المتحدة، مما أضعف قدرتهم العسكرية بشكل ملحوظ.
التقارير تشير إلى تدمير مواقع استراتيجية ومخازن أسلحة، بالإضافة إلى اغتيال بعض القيادات البارزة في الجماعة، وهو ما يضعف قدرتهم على الاستمرار في التصعيد العسكري ضد الملاحة الدولية أو استهداف السعودية والإمارات. الضربات لم تكن فقط رسالة ردع، بل جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف الى انهاء نفوذ طهران في اليمن.
التداعيات السياسية لهذه الضربات تتجلى في تضاؤل فرص الحوثيين بالاستمرار في فرض واقع سياسي وعسكري جديد في اليمن، مما يفتح الباب أمام إعادة ترتيب المشهد السياسي هناك. ومع عودة الضغط الأميركي على إيران، فإن الدعم الذي كان يحصل عليه الحوثيون بات مهددًا أكثر من أي وقت مضى، مما يجعل مستقبلهم العسكري والسياسي على المحك.
ما بعد المعادلة؟
ما يجري ليس مجرد تضييق على إيران، بل إنهاء كامل للمعادلة التي جعلت طهران جزءًا من النظام الإقليمي. هناك توجه نحو بناء توازن جديد، تقوده واشنطن وحلفاؤها، ويقوم على تقويض مشروع الميليشيات، وتعزيز التعاون العربي-الإسرائيلي، وإعادة تشكيل دور العراق ليكون جزءًا من منظومة إقليمية مستقرة بعيدًا عن الفوضى التي زرعتها إيران.
لم يعد سقوط هذه المنظومة مجرد احتمال، بل بات مسألة وقت، خاصة في ظل قيادة أميركية حازمة لا تعترف بنصف الحلول، ولا ترى في التفاهمات السابقة أي قيمة. وإذا كان البعض يراهن على تغيير في الموقف الأميركي، فإن الواقع يشير إلى أن معادلة 1979 انتهت فعليًا، وكل من ارتبط بها يسير نحو الهاوية.
وأن إيران وحلفاءها يدفعون ثمن ارتباطهم بمشروع انتهت صلاحيته دوليًا .