ترامب يمنح الدبلوماسية أسبوعين مع طهران… ولكنها دبلوماسية تحت النار

4

 

في لحظة تشبه “الهدوء الذي يسبق العاصفة”، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الدبلوماسية ما زالت ممكنة مع إيران، لكنه منحها فقط أسبوعين قبل اتخاذ القرار. مهلة قصيرة ومشحونة بالإيحاءات أكثر من الأمل، تضع طهران أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما القبول بشروط غير قابلة للتفاوض، أو مواجهة قرار قد يكون مفصليًا.
لكن ما يجري ليس مسار تفاوض تقليدي، بل دبلوماسية تُدار تحت النار: تصعيد عسكري متواصل، قصف إسرائيلي كثيف، حشد أمريكي واسع في مياه الخليج، وضغوط اقتصادية خانقة أصابت عمق المجتمع الإيراني.
ترامب: مهلة محسوبة بلغة الحسم
الرئيس العائد إلى البيت الأبيض لا يُجيد لعبة التمديد، ولا يثق كثيرًا بالوساطات الخلفية، بل يُجيد ما يسميه: “فن التفاوض من حافة الهاوية”.
تصريحه الأخير ليس دعوة للحوار، بل أقرب إلى إنذار محسوب: “ربما تتغير الأمور خلال أسبوع، وربما لا… لكننا جاهزون لكافة الاحتمالات”. بهذه العبارة، وضع ترامب إيران، والعالم، أمام مشهد مشحون بالتوتر، ورسالة واضحة: لا تعوّلوا على الوقت، فزمن المماطلة انتهى.
مهلة الأسبوعين… بين الانقسام الداخلي وإسقاط الحُجج
ما لا يُقال علنًا في هذا التصعيد، هو الانقسام داخل دوائر القرار المحيطة بترامب بشأن جدوى التدخل المباشر في الحرب. فهناك تيار داخل الإدارة وخارجها ما زال يفضل ضبط النفس وتجنّب الحرب، بينما هناك آخر يدفع باتجاه الحسم العسكري الشامل.
ويبدو أن مهلة الأسبوعين جاءت لا لتقديم فرصة حقيقية للدبلوماسية، بل لإسقاط الحُجج التي قد تُرفع لاحقًا في وجه ترامب إذا اتخذ قرار الحرب . بمعنى آخر، أراد ترامب أن يقول “منحتهم فرصة ولم يستجيبوا، فلا تلوموني على قرار المشاركة”.
هي خطوة ذكية تُحصّنه سياسيًا، وتمنحه تفويضًا غير مباشر حتى من أولئك الذين يعارضون الحرب، لأنه سيظهر بمظهر الرئيس الذي استنفد كل السُبل .

طهران في أضعف حالاتها منذ أربعة عقود
إيران تدخل هذا السباق الزمني القصير وهي في وضع داخلي وإقليمي معقّد: ضربات إسرائيلية متواصلة، اقتصاد ينهار، عزلة غير مسبوقة، وفقدان شبه تام للتوازن الإقليمي بعد اهتزاز ثقة الحلفاء. الأهم من ذلك: فقدان الخطاب الثوري لصدى التأثير حتى بين جمهور النظام نفسه .
في هذا السياق، يدرك النظام أن التراجع العلني سيكون انتحارًا سياسيًا، بينما التصلب قد يقود إلى ضربة ساحقة تُسقط ما تبقى من أوراق اللعبة .
الدبلوماسية في زمن ترامب: ضغط ثم حسم
ترامب لا يؤمن بالدبلوماسية بمعناها الكلاسيكي، بل يستخدمها أداة ضغط زمنية. إما استجابة فورية، أو تحمّل تبعات القرار.
هو لا ينتظر طاولات مستديرة ولا نقاشات مطوّلة، بل يُشهر المهلة كما يُشهر السلاح. هذا ما فعله مع كوريا الشمالية، وهذا ما يُكرّره مع إيران. الفرق الوحيد هذه المرة، أن الأرض مشتعلة أصلًا، والوقت ليس في صالح أحد.
وهنا تكمن الخطورة: القرار النهائي قد لا يُتخذ بهدوء، بل ربما يُفرض تحت ضغط صاروخ، أو ضربة طائشة، أو حتى معلومة استخبارية لم تُعلن .

أسبوعان… على حافة القرار
الدبلوماسية لم تُقتل بعد، لكنها تُدار تحت المقصلة. ترامب لم يُغلق الباب تمامًا، لكنه ضيّق الممر، حتى لا يُغري أحدًا بالهروب .
أسبوعان فقط، لكنها ليست مجرد مهلة زمنية، بل هي اختبار إرادات، وتحضير نفسي للرأي العام، وتجهيز الأرضية السياسية والعسكرية لقرار قد يكون الأعنف منذ عقود.
وقد تكون هذه المهلة بالفعل أطول أسبوعين تمر بهما طهران منذ تأسيس نظامها عام 1979… وربما يُكتب بعدها فصل جديد، أو الفصل الأخير، في رواية امتدت لأكثر من أربعين عامًا .

التعليقات معطلة.