يمكن تلخيص الترهل الوظيفي في مؤسسات الدولة في مصطلح “الدمج”، الذي هو ابتداع عراقي خالص نشأ بعد 2003، وشاع هذا المصطلح في كافة مرافق الدولة، فهناك الموظف الدمج والضابط الدمج والمتقاعد الدمج ، وهو تعبير بالغ الدلالة، على ان حامل هذا النعت، لا يستحق هذه الوظيفة، لذلك فهو “يدمج” فيها قسراُ. واستخدم المخيال الشعبي في النقد الساخر هذا المصطلح ايضا فنسج لنا، الاعلامي الدمج والخبير الدمج والبرلماني الدمج وحتى الحسناء الدمج وغيرها.ودون الدخول
في تفاصيل اسباب ذلك وهي كثيرة ومشروعة في اغلبها ، تضيق مساحة
بلسم جوزيف بترو
هذه المقالة عن مناقشتها ، رغم ان كثيرين استفادوا من ذلك دون استحقاق مشروع، الا ان مأخذنا ليس في تلك الاسباب بل في وسائل معالجتها السيئة ومنها نموذج “الدمج” بالغ السوء.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان من الممكن تعويض العدد الهائل من ضحايا النظام السابق، من شهداء وسجناء سياسيين و مفقودين و ضحايا الانفال والمقابر جماعية والمفصولين والمهجرين والمسفرين وغيرهم، بطريقة اخرى غير طريقة التعويض المادي المباشر او طريقة الدمج الوظيفي او التقاعدي ليستفيدوا من رواتب دائمة، سرعان ما ظهر ان الدولة، في اي اختلال في سعر النفط الذي هو المصدر الاساس لمواردها، ستكون عاجزة عن مواصلة تحمل موازنة الرواتب السنوية لكل هؤلاء.
ببساطة، كان من الممكن جدا، استثمار جزءأ من تلك الاموال في انشاء مؤسسات انتاجية تعاونية لصالح هؤلاء الضحايا، تقوم تلك المؤسسات ليس فقط في التعويض المادي من ارباحها لفائدتهم، بل ايضا في تشغيلهم وتشغيل اولادهم فيها، فهي في ذات الوقت منتجة، اي مدرة للمال، ومنتجة ايضا لفرص عمل لصالحهم، وفي ذلك ممكن ادراج تفاصيل كثيرة.
: واختصاراً وفي موضوعة الترشيق يمكن اقتراح الاتي
1-اعادة هيكلة وتوزيع الموارد البشرية للوظيفة العامة بين ادارات الدولة، واحصاء العدد الفائض ونوعيته وقدراته وتحصيله الدراسي وغيره، واعداد الدراسات اللازمة في استخدام تلك الطاقات السلبية المعطلة.
2-خلق فرص عمل حقيقية عن طريق تشغيل المئات من المصانع التي توقفت بعد 2003، وانشاء مؤسسات انتاجية جديدة اخرى في كافة القطاعات، والتي ستوفر مئات الالاف من فرص العمل، فضلا عن انها ستوفر للدخل القومي ما يصرف على استيراد مواد كثيرة، كما انها ستساهم مباشرة في امتصاص بعض الفائض الكبير من الموظفين بالدرجة الاولى.
3-تطبيق سياسة “المغادرة الطوعية” وهو مبدأ عملت به الكثير من الدول في ترشيق الجهاز الوظيفي لديها، ويستند على
عرض مبلغ مالي تعويضي محدد وفق جدول مالي- اقتصادي دقيق، لكل من يرغب في مغادرة العمل الوظيفي نهائيا.
4-اصدار القوانين والانظمة واللوائح الخاصة بتنظيم ودعم نشاط القطاع الخاص خصوصا في جانب الاستثمار في مشاريع انتاجية، واعداد دراسات للمشاريع المقترحة، وكذلك في تقديم القروض دعما لها وفق برنامج اقتصادي واضح .
5- تطوير وتنظيم سياسة دعم المقاولات الصغيرة للشباب واعداد مراكز تأهيلية واقتراح المشاريع الصغيرة المتنوعة لذلك وتوفير كل ما يلزم لانجاح هذه التجربة الرائدة في اكثر من بلد في العالم.
6- تشجيع العمل التعاوني وتحفيز المواطنين على انشاء جمعيات تعاونية في القطاع الصناعي والزراعي والخدمي وتأطير ذلك بقوانين ولوائح واعفاءات ضريبية تشجيعية لازمة.
7- التعاون مع برنامج التنمية البشرية للامم المتحدة الذي اطلقته عام 2002، والذي ساهم في تمويل برامج استثمارية انتاجية وخدمية عديدة في أفق ادماج الشباب في التنمية الوطنية لاكثر من بلد، فضلا عن رفدهم بالخبرات والتكوين المهني اللازم، كذلك الاسترشاد بتجارب رائدة لدول كثيرة في كثير مما ذُكر اعلاه، وتطوير علاقات التعاون معهم في هذا الجانب الحيوي.
في تقديرنا، نحن في حاجة الى تطوير حوار وطني حول ذلك، وتفعيل اقتراحات من هذا النوع، التي ستساهم دون شك، ليس في ترشيق الجهاز الوظيفي ومعالجة الترهل فيه وحسب، بل وفي تطوير العمل التنموي المنتج لأجيالنا القادمة ايضا ان مشاركتنا الكثيفة في انتخابات 12 ايار القادم، فرصة حقيقية واكيدة لمباشرة البناء الحقيقي للدولة الغائبة في هذا العراق الجديد..