تركيا تسعى الى دويلة في الشمال السوري

1

نبيل المقدم
يحمل الهجوم التركي على الشمال السوري في طياته اهداف متعددة اهمها التشويش على عملية الغوطة والتي قاربت على الانتهاء لمصلحة الدولة السورية. وكذلك تعطيل مسار العمليات العسكرية الناجحة التي يقوم للجيش السوري في ادلب. ياتي كل ذلك في اطار حلم قديم لحكومة العدالة والتنمية وهو اقامة منطقة عازلة في الشمال السوري يكون فيها لتركية الباع الاكبر.هذا المشروع سعت تركيا لتمريره في مجلس الامن الدولي بالتعاون مع الولايات المتحدة الاميركية،وعندما فشلت في ذلك انتقلت الى المطالبة بما يسمى “الشريط العازل”. وعندما لم تنجح في ذلك في ذلك في السياسة انتقلت الى لمحاولة تحقيقه بالحرب.
لايكمن النظر الى مايجري اليوم في “عفرين” بعيدا عما يجري في “ادلب” فخلافا لما يظن االبعض فان العمليات العكسرية للجيش السوري في ادلب لم تتوقف وان كانت قد خفت وتيرتها بعض الشيئ وذلك لحسابات عسكرية بحتة عند القيادة السورية ربما يكون اهمها الاخذ في الحسبان اولوية امن “العاصمة”،والتي هي المركز الاهم في الدولة سياسيا واقتصاديا وامنيا. كذلك فان تخفيف وتيرة العمليات العسكرية في ادلب جاء في وقت تقوم المجموعات الارهابية بالاقتتال فيما بينها،وهذا ما وجده الجيش السوري يصب في مصلحته على قاعدة “ان المنتصر من بين اعدائي سيكون الاضعف مستقبلا”،وهي معادلة منطقية تقوم الدولة السورية بتطبيقها الان في تلك المنطقة.
ماذا بعد سقوط عفرين؟
تقول المعلومات ان الحديث يتمحور الان بين تركيا والولايات المتحدة حول ضم “درع الفرات” لغرب الفرات اما شرق الفرات فهو ضمن السيطرة التركية، وان تركيا تقدم نفسها للولايات المتحدة على انها تريد ضم الشمال السوري كله من اجل قيادة هذه المنطقة.
في المقابل يرفض الاميركيون اي تواجد تركي في تلك المنطقة،ولذلك تقوم تركيا الان بتجهيز عدد من القيادات الكردية الموالية لها على ان تتبع هذه القيادات للمجلس الوطني الكردستاني الموجود في اسطنبول بحيث يشكل هؤلأ بديلا لقيادات قوات” حماية الشعب الكردية” وذلك بهدف ان تحكم تركيا سيطرتها على منطقة شرق الفرات، ولذلك يمكن القول ان تركيا الان في صدد تشكيل دولة في الشمال السوري وتحديدا في منطقة غرب الفرات” تطلق عليها اسم”دولة سورية الديموقراطية الجديدة” بحيث تقف هذه الدويلة سدا منيعا بوجه تدفق “المجاهدين” وعودتهم الى اوروبا من خلال اعاقة تحركهم وتنقلهم في تركيا وتحديدا في منطقة الحدود السورية – التركية.وتقول المعلومات ايضا ان تحريك ملف الغوطة الشرقية من قبل حلف الناتو وتحديدا من قبل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا جاء بعد تجاوز تركيا للمدة الزمنية التي حدد تها لعملية” غصن الزيتون” والتي اعلن ارودغان انها ستنتهي خلال عدة ايام. ان اذ ان كل هذا التهديد والوعيد كان بالدرجة الاولى بهدف توجيه الانظار عن عملية غصن الزيتون” في الشمال السوري”.
تركيا تسعى للمواجهة
لماذا لم يدخل الجيش السوري في المواجهة مباشرة مع القوات التركية وخاصة ان هناك اعتداء تركي مباشر على السيادة السورية؟ يجيب مصدر سوري مطلع على هذا السؤال بالقول”ان سوريا ليست وحدها في المعركة وهي جزء من محور قوي يمتد من ايران الى بغداد الى جنوب لبنان مرورا بدمشق وهذا المحور مدعوم من دولة عظمى هي روسيا الاتحادية. اذا هناك قوات روسية على الاراضي السورية وهي في حالة تشاركية قتالية مع الجيش السوري على الارض. ومن هنا يمكن ان نفهم ان تاخير الجيش السوري لرده المباشر على العدوان التركي على الاراضي هو بسبب ترتيب الاولويات العسكرية من جهة وبسبب ان تركيا تسعى من خلال هجومها على عفرين الى اعادة خلط الاولويات للجيش السوري والتي هي الان الغوطة الشرقية وادلب”.
وفي المعلومات المتوفرة ايضا ان معركة عفرين اتت بتنسيق اميركي تركي وذلك بهدف ثني الجيش السوري عن الاستمرار في معركته في كل من ادلب والغوطة الشرقية وذلك من خلال الضغط في الشمال السوري.ويؤكد مراقبون غسكريون انه بالرغم من التقدم الذي احرزته القوات التركية على الارض فانه سيكون صعبا عليها الاستمرا في التقدم اكثر وذلك بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدها الجيش التركي على الارض حتى الان وهذا مالن تسكت عنه المعارضة التركية والتي يجب ان يحسب لها حساب كبير جدا في مواجهة غرور اردوغان وتهوره.
المتابع للتصريحات التركية الرسمية يمكنه ملاحظة حجم المأزق الذي اوقع اردوغان به نفسه من خلال تورطه في عفرين وذلك من خلال التلويح بان عملية ” غصن الزيتون” سنتتهي في ايار المقبل وان هذه العملية قد حققت اهدافها. وهذا يعني ان حكومة العدالة والتنمية تقوم بتهيئة الارضية السياسية والاعلامية للخروج من هذه الورطة وذلك من خلال الاكتفاء بما حققه جيشها حتى الان والتخلي عن مرحلة ما بعد عفرين والتي لوح بها اردوغان اكثر من مرة.
روسيا غير موافقة على عملية عفرين
ما هو الموقف الروسي مما يجري في الشمال السوري المتابع لمجريات الامور يمكنه ملاحظة ان روسيا اخذت علما بالعملية العسكرية في عفرين ولكن هذا لايعني ان العملية تتم بموافقتها.
يقول خبير روسي في شؤون الشرق الاوسط”: ان الحكومة الروسية طلبت من القيادات الكرية تسليم كل مقاليد الامور في عفرين الى الجيش السوري ولكنهم رفضوا،وهذا يدحض الاتهامات التي يسوقها البعض بحق روسيا بانها تركت الامور في عفرين للأتراك. ويضيف الخبيرالروسي قائلا “ان الاكراد بقلة تبصرهم بالامور وانسياقهم وراء الولايات المتحدة قدموا الذريعة لتركيا للقيام بهجومها على الشمال السوري وذلك عندما اقدموا على انشاء المنطقة الفيدارالية واجراء الانتخابات الحالية والتحالف مع الولايات المتحدة من اجل انشاء قوات حرس الحدود”. وغيرها من الامور ويتابع الخبير الروسي قائلا : الموقف الروسي واضح جدا ويمكن قراءته من خلال تصريحات وزير الخارجية الروسي والذي يصر فيها دائما على وحدة الاراضي السورية وضرورة انسحاب جميع القوات المتواجدة على الاراضي السورية بشكل غير شرعي وفي مقدمتها القوات الاميركية والتركية.وهذا يعني ان روسيا مصرة على اعادة جميع المناطق التي احتلتها القوات الاميركية والتركية الى السلطات السورية الشرعية بما فيها عفرين طبعا.
موقف وزير الخارجية الروسي هذا يؤكده وجود تنسيق سوري روسي يومي ومباشر في كل ما يخص الازمة السورية سياسيا وعسكريا كما ان هناك قيادة عسكرية مشتركة بين الطرفين مهمتها متابعة العمليات العسكرية ضد الارهابييين الذي يقاتلون على الاراضي السورية. وهذا ما يؤكد ان روسيا لم ولن توافق على اي اعتداء يقوم اي طرف اقليمي او دولي على الاراضي السورية . واكثر من ذلك فعندما حاولت ما يسمى “بوحدات الحماية التركية” القيام بمشروع انفصال عن الدولة السورية واقامة كيان خاص بالاكراد في الشمال السوري سعى الروس الى الاتصال بقيادات هذا التنظيم في محاولة منهم لاقناعهم باهمية قيام مصالحة سورية داخلية والقاء السلاح لمصلحة وحدة الاراضي السورية.
ومن هنا يمكن القول ان الروس سينتقلون في المرحلة المقبلة للضغط على تركيا من اجل الانسحاب من الاراضي السورية وذلك عندما يحين الوقت المناسب لذلك اذ ان اولويتهم الان هي التخلص من الجماعات الارهابية في كل من الغوطة الشرقية وادلب.في المقابل تحاول الولايات المتحدة الضغط على اردوغان من اجل جر الجيش السوري الى صدام عسكري مباشر مع الجيش التركي وذلك قبل شهر ايار المقبل وهو الموعد الذي حددته تركيا للانتهاء من عملية “غصن الزيتون”.وذلك بغية ثنيه عن متابعة عملياته العسكرية في ادلب والغوطة الشرقية.
ادلب والغوطة في الحسابات الاميركية
تنظر الولايات المتحدة الى ادلب بانها الفرصة الأخيرة المتاحة لها لتحقيق مطامعها وطموحاتها على حساب وحدة الشعب السوري وسيادة الدولة على أراضيها، وذلك قبل الانتقال المتوقع إلى العملية السياسية سواء في مؤتمرات جنيف أو اجتماعات سوتشي. وليس العملية العسكرية التركية باتجاه عفرين، ثم إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن تشكيل “جيش للمعارضة” مؤلف من ثلاثين ألف مقاتل ينتشرون في المنطقة نفسها وفي أنحاء أخرى من شرقي الفرات، سوى بعض الجوانب المعلنة لما يُخطط لمستقبل سوريا. اما التركيز الاميركي على منطقة الغوطة الشرقية فهي بسبب قربها من العاصمة اولا وبسبب ان التخلص من الجماعات المسلحة هناك من قبل الجيش السوري ثانيا يعني انه لن يعود هناك اي جناح عسكري لاي معارضة “معتدلة” بحسب التنصيفات الاميركية والغربية. اي بمعنى اخر ان هذه المعارضة سوف تتلاشى ولن يبقى لها اي تمثيل على الارض والتي هي في الحقيقة ليست الا مجموعة من عتاة القتلة والمجرمين ارتكبت من المجازر بحق المدنيين ما يفوق كل وصف.
واخير يجدر الاشارة الى امرين اساسيين الاول هو الصمت الدولي حيال المأسي التي لحقت بالمدنيين من جراء العدوان التركي على عفرين، والثاني هوضرب تركيا لعرض الحائط لقرار مجلس الامن الدولي “2401” والذي ينص وقف العمليات القتالية من كافة الاطراف على كامل اراضي الجمهورية العربية السورية. وهي لم لم تكن لتفعل ذلك لو لم تلقى داعما مباشرا من الولايات المتحدة الاميركية.

التعليقات معطلة.