بعد إحراق المصحف خلال مظاهرة انطلقت خلال عطلة نهاية الأسبوع في السويد، شددت تركيا موقفها الرافض لتوسيع الحلف الدفاعي وقد أعطى الحادث فرصة للرئيس أردوغان كي يبدو قوياً قبل الانتخابات في مايو
بورزو درغاهي مراسل مختص في الشؤون الدولية
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتبر المسيرة الاحتجاجية في ستوكهولم إهانة للإسلام (أسوشيتد برس)
ولّد الغزو الروسي لأوكرانيا أزمة وجودية في أوروبا، إذ سعت فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف الشمال الأطلسي (الناتو) طلباً للأمان. لكن معارضة تركيا لهذا التوسع، فيما يواجه رئيس البلاد معركة محتدمة على الرئاسة في الربيع، تهدد هذه الخطط.
يخيم الاضطراب على علاقة تركيا بالسويد منذ فترة بعيدة، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب الخلاف على عضوية الناتو وحاجة الرئيس رجب طيب أردوغان أن يبدو قوياً أمام الناخبين المحتملين. وأخذ الموضوع بعداً مختلفاً كلياً في أعقاب إقدام سياسي يميني متطرف على إحراق نسخة من المصحف أثناء تظاهرة خارج السفارة التركية في ستوكهولم خلال عطلة نهاية الأسبوع. كما قام المتظاهرون في ستوكهولم، الأسبوع الماضي، بتعليق دمية للرئيس أردوغان على عمود إنارة.
وقال بول ليفين، خبير الشؤون الدولية المتخصص في الشأنين التركي والأوروبي في جامعة ستوكهولم “لا أعلم في هذه المرحلة كيف يمكن للوضع أن يسوء أكثر من ذلك. إنه مزيج متفجر يجمع ما بين رئيس تركي يواجه فترة انتخابات ويحتاج إلى معركة، ومجموعات سويدية يمينية ويسارية متطرفة قد تستغل حرية التعبير من أجل استفزاز أردوغان في سبيل تخريب طلب العضوية في الناتو”.
وقد سمح بالتظاهر في عطلة نهاية الأسبوع عملاً بقوانين حرية التعبير في السويد، مع أن أنقرة أدانت تنظيمها أمام سفارتها أساساً.
مظاهرة في ستوكهولم ضد طلب السويد الانضمام إلى الناتو. كُتب على اللافتة “لا للناتو” (كريستين أولسون)
ومن جهته، اعتبر وزير الخارجية السويدي، توبياس بيلستروم إحراق المصحف “مريعاً”. وكتب على “تويتر” “تعتنق السويد حرية التعبير إلى حد بعيد لكن ذلك لا يعني بأن الحكومة السويدية أو أنا شخصياً، ندعم الآراء التي جرى التعبير عنها”. خرجت مظاهرات في تركيا احتجاجاً على حادثة الإحراق.
يوم الخميس، اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو السويد بالتواطؤ في “جريمة كراهية وعنصرية” لأنها لم تمنع المظاهرات والفعل الذي أقدم عليه السياسي راسموس بالودان من الحزب الدانماركي الهامشي اليميني المتطرف “سترام كورس” (الخط المتشدد). كما أكد السيد جاويش أوغلو أن اجتماعاً أساسياً كان من المقرر عقده في بروكسل للتباحث في عضوية السويد وفنلندا في الناتو قد تأجل، مضيفاً أنه لا معنى لهكذا اجتماع في أعقاب التظاهرات.
وقال السيد جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصربي الذي يزور البلاد “شاركت الحكومة السويدية في هذا العمل المقيت عبر سماحها بحدوثه. الأمر بهذه البساطة. لا أحد يمكنه أن يخبرنا عكس ذلك”.
بينما تجابه تركيا تضخماً بلغ مستويات قياسية وأزمة اقتصادية واسعة النطاق، يتخلف السيد أردوغان عن منافسيه قبل انتخابات 14 مايو (أيار) وهو يجرب عديداً من المناورات الداخلية والسياسية الخارجية لتغيير مجرى الأمور لصالحه.
وتقول إيلكه تويغور خبيرة العلوم السياسية المستقرة في بروكسل، التي تعمل لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “كل خطوة يتخذها أردوغان على صعيد السياسة الداخلية والخارجية تهدف إلى إبقائه في سدة الحكم. وأي خطوة سنراها منذ الآن وحتى 14 مايو قد تكون مدروسة بذكاء لإبقاء الحكومة في السلطة”.
أحرق المحتجون علم السويد خلال المظاهرة أمام القنصلية السويدية في إسطنبول (أسوشيتد برس)
تمكن السيد أردوغان في السابق من حشد المناصرين وإسكات المعارضة عبر تقديم نفسه على أنه حامي تركيا والإسلام على الساحة الدولية. وقدم له إحراق المصحف فرصة لتحويل الأجندة السياسية من الاقتصاد إلى القضايا الثقافية المثيرة للانقسام التي تصب في مصلحته ومصلحة حزبه، حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية.
وقال السيد أردوغان في خطاب أدلى به في وقت سابق هذا الأسبوع “تشكل المظاهرات البشعة في السويد في المقام الأول إهانة للمسلمين ولأي شخص يحترم الحقوق والحريات الفردية الأساسية. وتنظيم هذا الهجوم السافر أمام السفارة التركية يجعل منه قضية دينية وقومية بالنسبة إلينا”.
لطالما كرهت تركيا بروز الحركات الانفصالية الكردية واليسارية ونشاطها في شمال وغرب أوروبا، لا سيما في السويد. وهي تتهم ستوكهولم باحتضان من تسميهم مقاتلين من حزب العمال الكردستاني، الذي بدأ بحمل السلاح ضد الدولة التركية في عام 1984. وتُدرج هذه الجماعة على قوائم المنظمات الإرهابية في تركيا ودول أخرى من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسويد.
ويضيف نيكولاس دانفورث، الباحث في المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية والخارجية، أن دخول السويد إلى الناتو “كان ليشكل مسألة شائكة في أفضل الظروف”.
ويتابع بقوله “في الفترة التي تسبق انتخابات محتدمة، يتوق أردوغان لتوظيف هذه النقطة من أجل تحقيق أهداف سياسية داخلية. وهو ما يجعل الحل أصعب بعد”.
أمل قادة الناتو أن يسرعوا دخول فنلندا والسويد إلى الحلف العام الماضي. لكن المحللين والمسؤولين أشاروا إلى أنه يجب على الأرجح تأجيل أي مفاوضات إضافية إلى ما بعد انتخابات مايو في تركيا أو ربما إلى أن توافق الولايات المتحدة على بيع الطائرات القتالية المثير للجدل، الذي يعيقه نقاد أنقرة في واشنطن.
ولمح بعض المسؤولين الأتراك إلى أنه سيكون من الأفضل أن يفصل البلدان جهودهما للانضمام للحلف. لكن قبل اندلاع المظاهرات في السويد بأيام قليلة، نشرت صحيفة فنلندية رسم كاريكاتير يصور السيد أردوغان وهو غاضب ويصيح بشأن “الإرهابيين”، وهو رسم أعادت الصحيفة التركية اليومية الموالية للحكومة، ييني شافاك، نشره، بعد أن أخفت ملامح وجه الرئيس.
رداً على سؤاله عن احتمال انضمام فنلندا وحدها إلى الحلف، أجاب السيد جاويش أوغلو أن تركيا لم تتلقَ طلباً من هذا النوع. لكنه أضاف أن “المشاكل التي نواجهها مع فنلندا أقل نسبياً مقارنة بالسويد”.
من الواضح أن القادة الأتراك يصعدون خطابهم كذلك. يوم الثلاثاء، شبه دولت بهجلي، زعيم الحزب الثاني في ائتلاف حكومة أردوغان، “الفايكينغ” السويديين والفنلنديين بـ”عقلية الكاوبوي” الأميركية.
ليس التعنت والتوتر والتناقض حول عضوية الناتو بأمور جديدة. فقد استخدمت أثينا حق الفيتو لعرقلة طلب جمهورية مقدونيا الشمالية الانضمام إلى الحلف إلى أن غير البلد اسمه ليميز نفسه عن مقاطعة مقدونيا اليونانية. لكن السويد وفنلندا رفضتا مناشدات وجهت لهما بالانضمام وكانتا مستمتعتين بحيادهما طيلة فترة كبيرة من الحرب الباردة وبعدها، حتى في ما تعاونتا مع الناتو وتشاركتا المعلومات الاستخباراتية مع الشركاء الغربيين.
يدعو البعض في واشنطن علناً لتعليق عضوية تركيا في الناتو، إضافة إلى عضوية هنغاريا تحت حكم رئيس الوزراء فيكتور أوربان الموالي للكرملين. وفيما لا يوجد أي آلية رسمية لطرد أي دولة عضو من الناتو، تلقت تركيا تحذيراً من موقفها حتى من الأصوات المعتدلة داخل المؤسسة الأمنية العابرة للأطلسي.
كتب القائد العسكري السابق لحلف الناتو جيمس ستافريديس في مقالة نشرتها بلومبيرغ “في مرحلة قريبة، سيبدأ بعض أعضاء الناتو بطرح سؤال “إن كان الخيار المطروح هو بين السويد/فنلندا من جهة وتركيا من جهة أخرى، ربما علينا أن ندرس خياراتنا’. وهذا سيكون خطأ”.
يحاول مناصرو أردوغان أساساً توظيف حادثة إحراق القرآن لمصلحتهم السياسية في الداخل. يوم الأربعاء، اتهم كاتب في صحيفة ييني شافاك المرشح المحتمل في الانتخابات الرئاسية وعمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو باحتمال دعم الإرهاب لعدم إدانته هذا الحدث بشدة.
وكتب الصحافي بولنت أوراك أوغلو “أتى على ذكر المستفيدين من هذا الاعتداء السافر من دون أن يدين السلوك الإرهابي المستفز وإحراق المصحف. ويمكن اعتبار امتناع إمام أوغلو عن إدانة دولة السويد الإرهابية والإرهاب إضافة إلى بالودان المستفز الحقير دعماً لهم”.
لو وضعنا الانتخابات جانباً، من الواضح أن غضب تركيا من الناتو والغرب وحقدها عليهما لا يزال حقيقياً وملموساً ومنتشراً. ولا يزال الأتراك من كل الأطياف السياسية مستائين من عمل القادة الألمان والفرنسيين السابقين على عرقلة مساعي تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي في أواخر العقد الأول من الألفية الثانية. كما لا يزال الأتراك غاضبين من استمرار التعاون بين القوى العسكرية الغربية والسوريين الأكراد الذين لديهم صلة بحزب العمال الكردستاني.
ويقول السيد دانفورث “لطالما آمن (أردوغان) بأن حاجة الغرب لتركيا تفوق حاجة تركيا للغرب. والغضب على طريقة تعامل السويد مع القضايا التركية حقيقي. وما يصب في مصلحة أردوغان هو أن كثيرين يفسرون تصرفاته على أنها دفاع عن المصالح التركية”.
يسعى السيد أردوغان كذلك إلى تحقيق المصلحة التركية خلال زمن يعتبر فيه أن البلد في وضع مثالي لتعزيز نفوذه الدبلوماسي والمالي إلى أقصى الدرجات. تحافظ أنقرة على علاقات ودية مع موسكو وكييف في الوقت الذي تشتعل الحرب بين هذين الطرفين. وتستضيف تركيا مقر العمليات الذي يحتضن جهوداً حيوية تدعمها الأمم المتحدة لنقل الأغذية الأوكرانية والروسية من مرافئ البحر الأسود إلى الأسواق العالمية.
ويقول السيد ليفين “في النهاية، يمتلك أردوغان ورقة رابحة، لأن أي دولة من حقها رفض التوسيع. في مرحلة من المراحل، سوف تتعرض تركيا إلى ضغوط هائلة. لكن القلق الدائم هو أن تتجه تركيا نحو روسيا في حال بالغتَ في الضغط عليها”.
© The Independent