في تطور خطير يضع العراق أمام تحدٍ استراتيجي جديد، أطلقت تركيا رسائل واضحة تؤكد أن ملف المياه بات ورقة ضغط تفاوضية بيدها، وأن المعادلة الجديدة تقوم على معادلة خطيرة: المياه مقابل النفط. هذه السياسة تنذر بكارثة إنسانية واقتصادية على العراق، الذي يعتمد على نهري دجلة والفرات كمصدر رئيسي للحياة والزراعة والصناعة.
المياه سلاح تركي جديد
لم يعد ملف المياه محصوراً في الجغرافيا أو الأزمات الطبيعية، بل تحول إلى ورقة سياسية تمسك بها أنقرة بقوة. فمشاريع السدود التركية على دجلة والفرات لم تُبنَ من أجل التنمية الداخلية فقط، بل لخلق معادلة قوة في المنطقة. اليوم، تُستخدم هذه المشاريع للضغط على العراق، الذي يواجه بالفعل أزمة شح المياه نتيجة التغير المناخي وسوء الإدارة الداخلية.
العراق في مواجهة تهديد مزدوج
الخطورة تكمن في أن العراق يعيش وضعاً هشاً:
أزمة داخلية بسبب الفساد وسوء توزيع الموارد، ما يجعله عاجزاً عن إدارة ملف المياه بفاعلية.
تهديد خارجي من تركيا التي تتحكم بمصادر المياه الأساسية، وتحاول ربطها بعقود النفط والتجارة.
هذا يعني أن العراق قد يُرغم على تقديم تنازلات اقتصادية ضخمة، بل وحتى سياسية، للحفاظ على الحد الأدنى من حصته المائية، ما يشكل سابقة خطيرة تمس سيادته الوطنية.
أبعاد سياسية واقتصادية
سياسة “المياه مقابل النفط” ليست مجرد تفاوض اقتصادي، بل هي إعادة تشكيل لعلاقة القوة بين أنقرة وبغداد. تركيا تدرك أن العراق بلد ريعي يعتمد على النفط بشكل شبه كامل، وأن أي تهديد بإيقاف تدفق المياه سيتحول إلى سلاح يُجبر بغداد على الرضوخ. كما أن هذه السياسة تتقاطع مع ملفات إقليمية أخرى، مثل النفوذ الإيراني في العراق، والوجود الكردي على الحدود، ما يجعل الملف المائي جزءاً من لعبة أكبر تُدار على حساب الشعب العراقي.
كارثة إنسانية تلوح بالأفق
إذا استمرت هذه السياسة، فإن العراق سيواجه كارثة حقيقية:
تراجع مساحات الأراضي الزراعية.
نزوح آلاف العائلات من الأرياف نحو المدن.
ارتفاع أسعار الغذاء، وتفاقم البطالة.
زيادة الاعتماد على الاستيراد، ما يعمّق تبعية العراق اقتصادياً.
الحاجة إلى رؤية وطنية
العراق اليوم أمام لحظة مصيرية. لا يمكن مواجهة السياسة التركية إلا عبر:
توحيد الموقف الداخلي بعيداً عن الخلافات الحزبية.
التحرك الدبلوماسي على المستويين العربي والدولي لضمان حصته المائية وفق الاتفاقيات الدولية.
تنويع مصادر المياه عبر مشاريع تحلية وإدارة حديثة للموارد الداخلية.
استثمار الورقة الاقتصادية بذكاء، فالعراق يملك ما يكفي من أوراق ضغط إذا أحسن استخدامها.
تركيا بإعلانها “المياه مقابل النفط” تفتح باباً لصراع جديد في المنطقة، والعراق إذا لم يتحرك سريعاً فسيجد نفسه أمام مأساة تتجاوز الاقتصاد إلى تهديد وجودي. إن الدفاع عن المياه اليوم هو دفاع عن السيادة، وعن حق الشعب العراقي في البقاء على أرضه .