تثير الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ضجة كبيرة حول صفقة الصواريخ الروسية أس 400 التي تنوي تركيا شراءها لتعزيز أمنها القومي، وصلت لدرجة قيام صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر بمساومة الرئيس التركي أردوغان على إنشاء منطقة عازلة تركية في الشمال السوري وبيع بطاريات “باتريوت” للجيش التركي مقابل عدم شراء بطاريات الصواريخ الروسية، الأمر الذي يرفضه النظام التركي الذي يعتبر الموضوع منتهيا، ولا مجال للتفاوض بشأنه مع أي طرف، خصوصا بعد أن تم الاتفاق على الصفقة مع الشريك الروسي.
ولا يعرف على وجه الدقة سبب الأزمة المثارة بشأن تلك المسألة، خصوصا وأن روسيا نشرت تلك الصواريخ في قواعدها العسكرية في سوريا، بعد حادثة إسقاط طائرة روسية فوق الأراضي السورية إثر هجمة إسرائيلية مباغتة، ما يعني أن المنظومة صارت موجودة بالفعل في منطقة الشرق الأوسط، وأن ما تقوم به تركيا ليس الحدث الأول من نوعه، ما يفترض معه أن تقوم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وكذلك تركيا باعتبارها عضوا بحلف شمال الأطلنطي بعمل حساب لتلك المنظومة الصاروخية الخطيرة.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك كون تركيا عضوا في حلف الناتو ولم يسبق لها وأن تسببت في الإضرار بمنظومة الأمن الأوروبي، على عكس الولايات المتحدة وبعض دول الحلف الذين كانوا جزءا من مؤامرة الانقلاب على النظام التركي الحالي، نجد أنه لا خوف من نشر تلك المنظومة على الأمن الأوروبي، بل على العكس يمكن أن تسهم في التصدي للتهديدات الروسية في المستقبل في حال قررت تهديد أمن أي دولة من دول الاتحاد.
ولكن يبدو أن الموضوع ليس له علاقة بالأمن، بقدر ما له علاقة بتركيا دولة ونظاما، إذ لا تريد الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي لتركيا أن تخرج عن الطوق الغربي، أو أن تلعب خارج الإطار الأوروبي والأميركي المرسوم لها، لذلك لا يسمح لها بامتلاك أي منظومة أمنية أو عسكرية لا تقع ضمن سيطرة الحلف الأوروبي والأميركي، لأن ذلك يعني استقلالية كبيرة في التوجهات التركية، ترى الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون فيها ضررا كبيرا على مصالحهم في منطقة الشرق الأوسط. إذ من شأن تلك المنظومة أن تسهم بشكل إيجابي في تطوير القدرات الدفاعية الجوية لتركيا، وجعلها متفوقة على جيرانها في هذا المجال.
وما يزيد من حالة التوتر الغربي بشأن تلك المنظومة، أنها تأتي في وقت تفتقد فيه العلاقات الأميركية التركية الثقة المعهودة، خصوصا بعد قرارات ترامب التي أضرت بالاقتصاد التركي بشكل بالغ، وبعد تهديداته المستمرة بتدمير الاقتصاد التركي في حالة لم تنفذ تركيا الإملاءات الأميركية، إلى غير ذلك من مواقف وقرارات أضرت بعلاقة الطرفين بشكل بالغ، وهو ما يجعل صناع القرار في الولايات المتحدة يخشون من زيادة التقارب التركي مع روسيا على حساب الولايات المتحدة، التي ترى في هذا التقارب خطرا على وجودها ومصالحها في المنطقة، وبداية لتكوين حلف روسي تركي إيراني قوي ومؤثر في العديد من ملفات المنطقة.
لذلك تعمل الإدارة الأميركية وحلفاؤها الأوروبيون بشكل حثيث من أجل إفشال تلك الصفقة بشتى الطرق، ومنع تركيا من امتلاك التكنولوجيا الروسية في مجال الدفاع الجوي، والدفع باتجاه الإبقاء على تركيا داخل المنظومة الغربية، وإن كان هذا الأمر قد بات متأخرا بشكل كبير، ولم يعد من الممكن القبول به، ليدفع الغرب ثمن أخطاء الإدارة الأميركية الحالية التي تعتقد أن بمقدورها فرض أجندتها على الجميع دون أن يملك أحد حق الرد أو حتى يفكر في مواجهة تلك الغطرسة التي من شأنها أن تضر بالمصالح الأميركية والغربية في الشرق الأوسط ضررا بالغا على المديين المتوسط والبعيد.
د. أسامة نورالدين
كاتب وباحث علاقات دولية