التقطت أسعار النفط العالمية أنفاسها مع التزام معظم الدول المنتجة للنفط بالاتفاق الأخير الذي قضى بتقليص عملية الإنتاج بين الدول، خاصة الدول المصدرة الكبرى، سواء من داخل منظمة وأعضاء أوبك أو من كبار المصدرين الآخرين خارج المنظمة مثال روسيا، بالإضافة إلى بعض الأسباب السياسية والمناخية الأخرى، واقترب سعر النفط العالمي من محيط 60 دولارًا، وهو ما يتوافق مع توقعات الجهات الاقتصادية الدولية والإقليمية، لكن ستظل مخاوف تجديد الاتفاق وسيناريوهات ما بعد انتهائه في مارس المقبل تشكل ثقلًا وعبئًا اقتصاديًّا خاصة للدول المنتجة.
فمن منطلق الشفافية لا بد من التأكيد أن الاعتماد على المدخولات النفطية لا يزال هو المحرك الأساسي للمشاريع التنموية الهادفة للتنويع في معظم البلدان المصدرة والمنتجة له، وأن تلك البلدان لا تزال بحاجة ماسة إلى تلك الأموال النفطية لتنعش خزائنها التي شهدت تآكلًا كبيرًا في احتياطاتها الاقتصادية، ولجوء بعضها إلى الاقتراض أو الدخول في الانكماش الاقتصادي، وسعى الجميع إلى سياسات تقشفية لا تخطئها العين، أثرت بشكل كبير على مدى الرفاهية لمواطنيها.
وأيضًا أثرت تلك الأزمة على الأسواق العالمية، وقادتها إلى مزيد من الركود، نظرًا لأن تلك الدول كانت تعتمد في استهلاكها على الأموال النفطية، ومع التقشف وتقليص الإنفاق تضررت شركات كبرى عابرة للقارات من تلك السياسة، وحتى الشركات الأقل حجمًا وصولًا للشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصادات الكبرى التي قد تضررت أيضًا من الهزة الاقتصادية التي تعرضت لها الدول المصدرة وأثرت على إنفاقها، كون تلك الدول من الأسواق الاستهلاكية التي كانت تعمل كمضاد للركود الذي يشهده العالم في العقد الأخير.
المقصود هنا، هو أن واقع الحال يحتم على ضرورة استمرار هذا التعاون بين الدول المنتجة؛ نظرًا لحاجتها جميعًا إلى تعافي العائدات النفطية، فالمصلحة تقتضي بالتآزر ليرتفع النفط لمستويات تقترب من الحاجات الاقتصادية لتلك الدول، ما سينعكس إيجابًا بوضوح على حالة الركود الاقتصادية العالمية، وستدور عجلة الإنتاج وتنتعش السيولة بالشركات العالمية والمحلية حول العالم أجمع.
ولعل تلك الهواجس هي ما دفعت سعادة المهندس سالم بن ناصر العوفي وكيل وزارة النفط والغاز للتأكيد على أن وجود استراتيجية طويلة الأمد للمنتجين من أوبك وخارجها ستعود بالنفع على الجميع، مطلقًا مجموعة من التساؤلات المنطقية التي بحاجة إلى إجابات جماعية من تلك الدول التي لا تزال تحتاج إلى بيع النفط بأسعار تتوافق مع توجهاتها التنموية، فقد شدد سعادته على عدم وجود ـ في الوقت الحالي ـ تصور عن الفترة التي ستنتهي فيها عملية تقليص الإنتاج.
وعلى افتراض أنها انتهت في مارس المقبل بحسب اتفاق المنتجين.. هل سيعود جميع المنتجين إلى إنتاجهم السابق، وبالتالي يكون هناك فائض كبير من الإنتاج مطروح في السوق؟! أو يتم تمديد الاتفاق بين المنتجين، أو العودة تدريجيًّا إلى الإنتاج السابق؟! كل هذه التساؤلات لم يتم الإجابة عليها، فطرح تلك التساؤلات مهم خاصة مع بدء أسواق النفط العالمية في العودة للتوازن، وهذا أمر جيد؛ لذلك فمن المهم في الوقت نفسه التقيد بحصص الإنتاج للمحافظة على استقرار السوق، وإلا فإن الأسعار ستعود للتراجع مع وفرة المعروض، ما سينعكس سلبًا لا على الدول المنتجة فقط، لكنه سيكون له تأثير مدمر على الاقتصاد العالمي بشكله الحالي، فمرة أخرى نؤكد أن الاقتصاد العالمي لا يزال يحتاج لأموال النفط الغالي، لإخراجه من حالة الركود.
تساؤلات منطقية حول أسعار النفط
التعليقات معطلة.