الشرق الاوسط

تسخين متدرّج للساحة السورية… والعين على التنسيق الإيراني – الروسي

المصدر: دمشق – النهار العربي

مطار حميميم الروسي في سوريا.

مطار حميميم الروسي في سوريا.

عشية عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، كانت دمشق منهمكة في الردّ على الهجوم الذي استهدف الكلية الحربية في حمص، وتعدّ السيناريوهات الممكنة للقيام بعملية عسكرية برّية في إدلب بهدف انتزاع الطريق الدولي “أم فور”، غير أنّ قيام “حماس” صبيحة ذلك اليوم بتنفيذ هجومها غير المتوقع على غلاف غزة، فاجأ العاصمة السورية كما فاجأ غيرها من عواصم العالم، فكان لا بدّ من التريّث لقراءة مدى الانعكاسات الإقليمية والدولية التي ستترتب على هذا الحدث، وصار التحضير للعملية العسكرية في إدلب أول ضحايا هجوم “حماس”، إذ أُعيدت الخطة إلى الأدراج، وأُلغيت الأوامر التي أُعطيت للعديد من الوحدات المنتشرة في حلب والرقة بالاستنفار، تمهيداً للانتقال إلى خطوط التماس جنوب إدلب. من الناحيتين السياسية والإعلامية، سارعت المؤسسات السورية كافّة، من رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية إلى وسائل الإعلام الرسمية، إلى مباركة هجوم “حماس”، باعتباره أحد تجلّيات فعل المقاومة التي تعتبر سوريا من أهم الدول المنتمية إلى محورها في المنطقة. غير أنّ الموقف العملي من احتمال الانخراط في تداعيات الهجوم عملاً بمبدأ “وحدة الساحات” ظلّ محل تساؤلات وشكوك، وخصوصاً أنّ الأراضي السورية حافلة بكثير من التعقيدات التي تجعل الاستجابة لمثل هذا الحدث تحتاج إلى حسابات في غاية الدقّة. وقد حظيت المناوشات المتصاعدة بين الميليشيات الإيرانية والقوات الأميركية في سوريا باهتمام بالغ، باعتبارها من المؤشرات الدالّة على إمكان انزلاق الساحة السورية إلى أتون الصراع الذي فجّرته عملية “طوفان الأقصى”. ومع ذلك، لم يكن من المعلوم على وجه الدقّة ما إذا كانت السلطات السورية قد منحت الضوء الأخضر للميليشيات الإيرانية من أجل التحرّك ضدّ القواعد الأميركية، وظلّ احتمال أن تكون هذه الميليشيات قد تحرّكت من تلقاء نفسها، كما زعم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في تصريحات صحافية، قائماً. وينسحب الأمر كذلك على القذائف التي أُطلقت من الجنوب السوري نحو الأراضي المحتلة من قِبل إسرائيل، والتي ردّت عليها الأخيرة باستهداف مطاري دمشق وحلب أكثر من مرة، إلى جانب استهداف البنية التحتية لبعض الدفاعات الجوية السورية في المنطقة المحاذية للحدود. وقد ظهر خلال الأيام الماضية مؤشر في غاية الأهمية إلى طبيعة التغيّرات التي تشهدها سوريا على وقع تأثّرها بتداعيات عملية “طوفان الأقصى”، ويبدو أنّ الأمر لم يعد يتعلّق بماهية الموقف السوري من موضوع الانخراط أو عدمه في الصراع الدائر والمتنامي في المنطقة، بل أصبحت له صلة مباشرة بطبيعة القرار الروسي والإيراني للتعامل مع هذه القضية. وعلى رغم أنّ السفير الإسرائيلي لدى روسيا ألكسندر بن تسيفي قد سارع بعد قصف إسرائيلي على مواقع سورية في درعا في 26 الشهر الماضي، إلى التأكيد على أنّ آلية “منع التصادم” بين روسيا وإسرائيل في ما يخصّ الأراضي السورية، لا تزال قيد العمل ولم يتغيّر شيء فيها، فإنّ ثمّة ما يشير إلى أن الموقف الروسي من العدوان الإسرائيلي على غزة يمكن أن يتطور على الجبهة السورية إلى اتخاذ قرارات عسكرية كانت روسيا تنأى بنفسها عنها سابقاً، انطلاقاً من سعيها للحفاظ على توازن علاقتها مع مختلف الأفرقاء في المنطقة بما فيها سوريا وإسرائيل وإيران.   طائرة إيرانية في مطار حميميموفي هذا السياق، وصلت طائرة إيرانية قبل يومين إلى مطار حميميم الذي تتخذه القوات الروسية العاملة في سوريا مركزاً رئيسياً لقيادتها. هبوط الطائرة الإيرانية على ما يبدو جاء تنفيذاً لقرار اتخذته السلطات السورية يقضي بتوقيف العمل بمطاري دمشق وحلب نتيجة تعرّضهما لتهديد مستمر من الطائرات الإسرائيلية، وتحويل جميع الرحلات الجوية إلى مطار حميميم الذي وضعت روسيا يدها عليه لمدة 50 عاماً بموجب اتفاق رسمي مع السلطات السورية. وقد تتعدّد القراءات لهذا القرار السوري، فثمة من سيعتبره محاولة من دمشق لمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في المطارين، لأنّ ذلك يتسبّب بتعريضهما للقصف الإسرائيلي، وكأنّ أصحاب هذا الرأي يوحون بوجود تباين بين الموقفين السوري والإيراني، وأنّ دمشق قد لا تكون راضية عن التحرّكات التي تقودها إيران لإطلاق قذائف إلى الجولان المحتل أو لاستهداف القواعد الأميركية في سوريا. ولكن بغض النظر عن الموقف السوري، فإنّ مجرد بدء الطائرات الإيرانية بالهبوط في مطار حميميم من شأنه أن يعطي إشارة قوية إلى أنّ “طوفان الأقصى” قد تكون غيّرت على نحو جذري طبيعة العلاقة العسكرية القائمة بين روسيا وإيران في سوريا، وأنّ هذه العلاقة التي غلبت عليها الطبيعة التنافسية في أغلب الأحيان، قد تكون في طريقها للدخول في عهد جديد من التنسيق على خلفية تقاطع مصالح الطرفين جراء ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري غير مسبوق. ولروسيا مصلحة كبيرة في استثمار الحرب في غزة لجهة استنزاف الدول الغربية التي وجدت نفسها مضطرة لتخفيف مساعداتها العسكرية والمالية لأوكرانيا من أجل تلبية مطالب تل أبيب اللازمة لمواجهة “حماس” وردع الجبهات الأخرى في سوريا ولبنان واليمن والعراق. وتُعتبر الموافقة الروسية على السماح للطائرات الإيرانية بالهبوط في مطار حميميم بمثابة إشارة إلى أنّ التنسيق بين الطرفين قد يكون بلغ مستوى استراتيجياً أبعد مما هو معلن عنه. وتأتي هذه الخطوة بعد أسابيع قليلة من الكشف عن قيام إيران بتزويد روسيا بطائرات مسيّرة عبر مطار تدمر العسكري. وقد يكون من المبكر الحديث عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه روسيا في مسايرة تقاطع مصالحها مع إيران، وهل يمكن أن تبلغ حداً تسمح من خلاله لطهران بإيصال شحنات الأسلحة إلى أذرعها في المنطقة عبر مطار حميميم. غير أنّ العديد من المراقبين السوريين بدأوا يتحدثون عن تغيّر جذري في العلاقة بين روسيا وإيران، قد يتسبب بانقلاب موازين القوى في المنطقة، ومن بين هؤلاء الدكتور محمود حافظ الذي نشر فيديو تنبأ فيه بأن تحلّ قاعدة حميميم محل مطاري دمشق وحلب، وذلك قبل اتخاذ السلطات السورية للقرار بأيام عدة.