تسريب محادثة بوتين وشي ليس أغرب ما حصل في قمة الصين

5

حين سُجل بالخطأ حديث الزعيمين الروسي والصيني خلال قمتهما في بكين، وهما يتبادلان الآراء حول زرع الأعضاء وسبل إطالة العمر وربما الخلود، هل كان ما جرى مفاجئاً فعلاً؟
ماري ديجيفسكي كاتبة
بدت صور الزعماء الثلاثة فلاديمير بوتين وشي جينبينغ وكيم جونغ أون وكأنها تهدف إلى إظهار وحدة روسية صينية كورية شمالية مهددة للغرب. لكن إلى أي مدى يمكن اعتبار ما قد يُنظر إليه على أنه “تطبيع” مع كوريا الشمالية تهديداً فعلياً؟ (أ ب)
ملخص
أحاديث بوتين وشي جينبينغ الجانبية عن زرع الأعضاء ثم المشهد في بكين الذي جمعهما مع كيم جونغ أون وابنته، قدما صورة عن وحدة الصين وروسيا وكوريا الشمالية، فيما اختار ترمب لهجة هادئة ومرنة بدلاً من التصعيد، مؤكداً أن بكين لا تزال بحاجة إلى واشنطن. ورغم العروض العسكرية الضخمة، فإن التحالف غير الغربي بقيادة الصين بدا أكثر تماسكا، لكن احتمال الصدام مع الولايات المتحدة يبدو أبعد من أي وقت مضى.
وقعت أشهر حوادث “الميكروفون المفتوح” في العالم في ذروة “الحرب الباردة”، عندما قال الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان ممازحاً قبل إلقائه خطاباً وطنياً: “سنبدأ القصف خلال خمس دقائق” (لحسن الحظ، كان الخطاب مسجلاً مسبقاً، لذا لم يتم بث هذا التحذير أبداً). إلا أن المقاطع الغريبة للحديث التي التُقطت عبر الترجمة بين الزعيمين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ هذا الأسبوع، تستحق بجدارة أن تُصنف ثاني أشهر هذه الحوادث.
إذا كان السؤال هو عن المواضيع التي يناقشها المستبدون العالميون في أحاديثهم العابرة، فإن الإجابة هنا تبدو وكأنها مسألة زرع الأعضاء، وما قد يوفّره من إمكان لإطالة العمر، إن لم يكن إلى الأبد. أما في ما يتعلق بإمكان أن يكون هذا التبادل الكلامي برمته مفبركاً ومدبراً لأغراض دعائية، فإن غرابة الموضوع نفسه تكفي لاستبعاد هذا الاحتمال تماماً.
لم يكن أحد ليتخيل مثل هذا الأمر ولو للحظة واحدة، حتى لو كان يتوافق مع الصورة النمطية القائلة بأن القادة الديكتاتوريين لا يريدون سوى التشبث بالسلطة في بلادهم إلى الأبد. وإذا كان التقدم في مجال التبرع بالأعضاء يسهل عليهم ذلك، فليكن! وبما أن الزعيمين الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين لا يواجهان في الواقع أي قيود حقيقية على مدة ولايتيهما، فقد تبدو قدرتهما الجسدية – لا القيود القانونية – العائق الوحيد أمام سلطتهما الأبدية.
على أية حال، قدمت هذه المقاطع المسموعة للعالم الغربي إلهاءً مرحباً به لصرف الانتباه عن استعراض استمر عدة أيام، أظهرت خلاله الصين قدرتها المتنامية على قيادة نظام عالمي بديل للغرب. ومع انضمام روسيا أساساً إلى هذا التكتل، نتيجة ما تعتبره محاولات من الغرب لعزلها – حتى قبل غزوها أوكرانيا عام 2022 – وتحطمت آمال قيام تحالف جديد بين الولايات المتحدة والهند بسبب الضغط الأميركي على نيودلهي لتجنب شراء النفط من روسيا، فإن هذا التحالف غير الغربي بقيادة الصين، يبدو الآن أكثر صلابة وتماسكاً مما كان عليه حتى قبل أسبوع فقط.
كان العرض العسكري الضخم الذي نظمته بكين لإظهار قوتها العسكرية، مجرد مظهر خارجي لما تود الصين بلا شك إظهاره كواقع جديد على الساحة العالمية. إلا أن عنصرَين أسهما في تعقيد هذه الصورة التي تُظهر الصين في المقام الأول والأخير على أنها تشكل تهديداً للغرب، وأنها تتسلح لخوض صراع ملحمي مع الولايات المتحدة التي يُفترض أنها في انحدار نهائي.
العنصر الأول هو كوريا الشمالية. فقد بدا الزعيم كيم جونغ أون – الذي يزور الصين لأول مرة منذ نحو ستة أعوام ويحضر تجمعاً دولياً من هذا النوع للمرة الأولى على الإطلاق – كجزء من الكتلة الأكبر. إضافة إلى ذلك، فإن صور ترويكا بوتين وشي وكيم، بدت وكأنها تهدف إلى إظهار نوع من الوحدة المهددة للغرب. لكن، ما مدى خطورة ما يمكن أن يُنظر إليه على أنه تطبيع للعلاقات مع بيونغ يانغ؟
يمكن القول إن هذا المسار بدأ بقرار – لا يزال مثيراً للجدل – اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال فترة رئاسته الأولى، بلقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون ومعاملته كزعيم وطني شرعي. وقد أسهم ذلك الاعتراف في كبح اندفاع بيونغ يانغ المحفوف بالأخطار، للفت الأنظار إلى برنامجها النووي، قبل أن يعكس الرئيس الأميركي السابق جو بايدن هذا النهج من خلال دعمه المبالغ فيه لكوريا الجنوبية. لكن الصورة التي قدمها كيم في بكين، كانت لقائد يحاول بذل قصارى جهده لالتزام القواعد والمعايير، وذلك من خلال ارتدائه بدلة أنيقة، وإلى جانبه ابنته (التي قد تكون وريثته) كضيفة شرف. فهل يُعقل أن يكون القبول الدبلوماسي، لا العزل، هو السبيل إلى تحييد التهديد الخطر الذي تمثله كوريا الشمالية النووية الخارجة عن نطاق جميع القيود الدولية؟
كوريا الشمالية تزيل آثار كيم من غرفة اجتماعه مع بوتين في الصين
أما العنصر الآخر الأكثر إثارة للدهشة، فكان الرد الذي صدر عن الولايات المتحدة – أو عن دونالد ترمب تحديداً – على هذا التحدي الواضح الذي طرحه الرئيس الصيني شي جينبينغ وضيوفه. فعلى مدى عقود من الزمن، عُرفت المؤسسة السياسية الأميركية بتشددها المفرط تجاه الصين، التي يُنظر إليها على أنها منافس عالمي مفترض وقوة صاعدة. غير أن ترمب، بدلاً من الانجرار إلى الاستفزاز ومواجهة استعراض القوة الصيني بخطاب لا يقل شراسة – كما قد يقدم على ذلك الكونغرس لاحقاً – آثر سلوك مسار مختلف تماماً.
ففي سلسلة التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي – سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو أمام الصحافيين – اعتمد نبرة اتسمت أحياناً بالتساؤل وأحياناً بالاحترام، من دون أن يمنح الصين أية نقاط تفوق قيادي. ففي تعليق على الصور التي جمعت الزعماء شي وبوتين وكيم، قال ترمب مازحاً: “أرجو أن تنقلوا أحر تحياتي إلى فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، وهما يتآمران على الولايات المتحدة الأميركية”.
في المقابل، أثنى الرئيس الأميركي على الزعيم الصيني شي والعرض العسكري الذي وصفه بأنه “جميل ومثير للإعجاب للغاية”، قبل أن يضيف مذكراً إياه بأن “عدداً كبيراً من الأميركيين قد فقدوا أرواحهم في أثناء سعي الصين إلى تحقيق النصر والمجد”، معرباً عن أمله في “أن يتم تكريمهم وتخليد ذكراهم بحق، لشجاعتهم والتضحيات التي قدموها”. وعندما طُرح السؤال عليه عما إذا كانت بكين قد تشكل تحالفاً مناهضاً للولايات المتحدة، أصر على القول بثقة إنه “لا يرى ذلك على الإطلاق”، مؤكداً أن “الصين هي في حاجة إلينا أكثر بكثير مما نحن بحاجة إليها”.
هذا يشير إلى أن الصين ما زالت بحاجة إلى اللحاق بالركب – وهو أمر صحيح بالفعل – إذ لا تزال متأخرة عن الولايات المتحدة من ناحية القوة العسكرية، بينما يبقى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لديها أقل بست مرات من نظيره في الولايات المتحدة. وربما كان رد الفعل الهادئ وغير العدواني هذا من جانب الرئيس الأميركي، الوسيلة الأنجع لمواجهة الصور الآتية من بكين، مع إبقاء الباب مفتوحاً على احتمال تحسين العلاقات الثنائية بين الطرفين.
يبقى القول أخيراً إن شبح وقوع صدام مسلح بين العملاقين – وهو أحد الاستنتاجات التي كان يمكن أن تُستمد من الاستعراض العسكري الذي نظمته بكين – يبدو اليوم أبعد مما كان عليه من قبل.

التعليقات معطلة.