تسعيرة البقدونس في سوريا بالدّولار… الممنوع التّعامل به!

1

كل شيء يخضع لسعر صرف الدولار.

تجرّم الحكومة والقانون السوريان بأشد العقوبات أي شكل من أشكال التعامل بالدولار في أي اتصال تجاري بين الأفراد والمؤسسات، إلّا في حالات خاصة ومحددة وضيقة جاءت عليها التشريعات السورية خلال الحرب. بيد أن كل شيء في حياة السوريين يسير وفق تسعيرة الدولار في السوق السوداء، لذا فرضت عليهم معاملاتهم اليومية استخدام الدولار في عمليات البيع والشراء في مجازفة قد تقودهم إلى السجن لو وشى أحدهم بالبائع أو بالمشتري أو بالوسيط، أو لو تم القبض عليهم في أي حال من الأحوال. البلد الذي تنهار عملته المحلية يوماً تلو آخر، ترتبط فيه أسعار البصل والخضر والمنتجات الأولية المحلية بسعر الصرف، في علاقة غير مفهومة خلقت حالة من التحدي الجماعي للحكومة والقانون.
الحكومة والسّوق السّوداءالحكومة بدورها قررت مجاراة السوق السوداء على قاعدة أنها الأحق بجمع الدولار الذي في حوزة مواطنيها. نسبياً لم تنجح، فقد انتصرت السوق السوداء عليها مجدداً، في علاقة تبادلية شائكة ليست الحكومة ببعض رموزها أكثر من شريكة في لعبة التدوير تلك، يقول مواطنون. فمثلاً، يبلغ سعر الصرف في السوق السوداء حالياً لكل دولار واحد نحو 7500 ليرة سورية، وعليه سعّر المصرف المركزي الدولار بـ7200 ليرة، وهو رقم يومي يرتفع أو ينخفض ليجاري السوق السوداء (دائماً أقل منها بقليل)، ولكنّ الأمر لا ينجح، فالسوري لا يقبل ذلك النوع من الخسارة، عدا المخاطرة المفترضة، والتي يطلق عليها بالعامية قول “تفتيحة عيون”، بمعنى أنّه يخشى أن يسأل في يوم ما عن مصدر الدولارات تلك.
دولار على المساكينمن جهة أخرى، ثمة سوريون لا يعرفون كيف هو شكل الدولار، لكنهم يشترون حتى قرص الفلافل على تسعيرة الورقة الخضراء، وهذا ما يقوله ربّ الأسرة مؤمن عطا الله في حديث لـ”النهار العربي”، مستغرباً كيف يتم تسعير جرزة البقدونس التي تزرع في الساحل على سعر صرف الدولار. 

 ويتابع: “أليست التربة سورية، والحقول سورية، والأسمدة سورية، والبذار سورياً، واليد العاملة سورية، لماذا يرتبط البقدونس وغيره بسعر الدولار؟ وعلى ذلك قس، كل مزروعاتنا ومنتجاتنا مرتبطة بالدولار من دون أن نعلم لماذا، ثم ما علاقتنا بحرب أوكرانيا؟ أنا كربّ أسرة أعمل منذ الصباح إلى آخر الليل لأستحصل على القليل الذي أسد به رمق أسرتي، ما علاقتي بتقدم روسيا أو تراجعها في أوكرانيا؟ ماشي، يؤثر ذلك على دولتنا، لا أعرف، ولكن بماذا يؤثر على سعر البصل؟ هل بسبب حرب أوكرانيا سعر كيلو الخيار المحلي اليوم عشرة آلاف ليرة؟ (دولار ونصف)”. قد تبدو الآراء المتطابقة مع ما قاله مؤمن كثيرة للغاية، الجميع في الشارع يطرح التساؤلات نفسها، من دون أن تكبد الحكومة – كما العادة – نفسها عناء تفسير ما يحصل، وكيف تنعكس كل المتغيرات في العالم على مواطنيها، لدرجة راح فيها السوريون يتندرون على حكومتهم مواربة مستحضرين جملة نهاد قلعي الشهيرة في مسلسل صح النوم: “إذا أردت أن تعرف ماذا يحصل في إيطاليا… فعليك أن تعرف ماذا يحصل في البرازيل؟”.
“لأحمي أموالي”عمار مهدي تاجر عقارات في دمشق، يملك مكتباً في واحد من أحياء العاصمة الراقية، يخبر “النهار العربي” أنّ كثيراً من زبائنه الذين يطلبون بيع منازلهم من خلاله، يسعرونها بالدولار، “ماذا سأقول لهم؟ هذا حقهم، بغير هذه الطريقة لا يمكنهم حفظ قيمة أموالهم في السوق، فلو باعوا منزلهم بالعملة المحلية، ولم يستثمروا بها فوراً، فسيخسرون الكثير، بين يوم وآخر تخسر العملة قيمتها، هناك هبوط دراماتيكي سريع للغاية لها، ولكن بالنهاية أنا لا علاقة لي، فلست أنا الذي أقبض، هم أحرار، رغم توضيحي لهم للعقوبات القانونية، ولكن الأمور تسير سيراً طبيعياً غالباً ما لم يكن هناك بلاغ رسمي ضدهم (إخبارية أمنية)، والأهم أنني أتقاضى عمولتي بعملتنا السورية، لذا أنا بالسليم”.
المعادلة المنطقيةسليم (اسم مستعار) لرجل في دمشق فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي، باع منزله في حي المزة في دمشق بمئة ألف دولار قبل أشهر، وقبض الثمن بالدولار، يقول: “أعلم مخاطر ذلك في القانون، ولكن لأقل لك، حين بعت منزلي كانت مئة ألف دولار هي 450 مليون ليرة سورية، تخيل لو أنني قبضت ثمنه بالليرة، الآن المئة ألف التي في حوزتي تساوي 750 مليون ليرة سورية، وبهذا لم أخسر أموالي، ويظل رأسمالي ثابتاً وبإمكاني التحرك من خلاله دون خسارة”.
الخوف“اتفقنا على أن أدفع له بمنزله 500 مليون ليرة سورية، وأتممنا الترتيبات لذلك، ولكني فوجئت به يريد ما يعادل ذلك الرقم بالدولار حصراً، طيب من أين سأجيء له بهذا الرقم بالعملة الصعبة؟ ولماذا سأعرّض حالي للمخاطرة والمساءلة والحبس وخلافه؟ أصلاً تأمين المبلغ صعب بالدولار، وصاحب المنزل لم يقبل الدفع بالليرة، ثم أدى ذلك لعدم شرائي لمنزله، قد يكون ذلك من حقه، ولكن نحن في سوريا ولسنا في أميركا، علينا أن نتعامل بليرتنا ثم هو حر في أن يصرفها على الدولار ويحتفظ بالمبلغ بالطريقة التي تناسبه”، يقول الشاب لؤي عبد الكريم في إطار شرحه عن النقطة الخلافية التي أفضت لعدم شرائه المنزل الذي أعجبه.
“المخبى”حين يكون الحديث عن التعامل بالدولار، فمن المفهوم تخوف الناس وإحجامهم نسبياً عن الحديث، فأي كلمة قد تعتبر وثيقة تستخدم ضدهم لتجريمهم، وهنا بالضبط تتجلى مخاوف سامح. كالذي يقول إنّه لم يخسر يوماً في تجارة بفضل اعتماده على الدولار، “أنا منذ بدأت الأزمة أبيع وأشتري السيارات والعقارات بالدولار، لا ضمانة لأموالي سواه، كما أنّ لديّ شقتين أؤجرهما بالدولار، وطبعاً كل ذلك يتم مع أناس ثقة وبالـ”مخبى”، أي من تحت الطاولة، أما إذا أردت الاعتماد على التعامل بالعملة المحلية فبلحظة قد أخسر كل أموالي، وحقيقة أنا لا أريد أن أصاب بجلطة”.
في القانونأولاً: الركن المادي للجرائم التي تدخل ضمن اختصاص الضابطة العدلية، بحسب إيضاحات من المصرف المركزي السوري: جُرم الصرافة: امتهان بيع العملات الأجنبية وشرائها، ويظهر الركن المادي من خلال تكرار هذه العمليات. جُرم الحوالات: يتمثل الركن المادي بتحويل العملات بين سوريا والخارج بأي طريقة. جُرم نقل الأموال: نقل الأموال فيزيائياً إلى خارج الأراضي السورية، ولو لمرة واحدة، بما يتجاوز حدود المبالغ المسموح بها وفق الأنظمة والقرارات النافذة، ولا يُعتبر نقل الأموال من الخارج إلى داخل الأراضي السورية جرماً، إلا إذا كان على سبيل الامتهان والتكرار. جُرم التعامل بغير الليرة السورية: يتحقق الركن المادي بتسديد قيم السلع أو الخدمات بغير الليرة السورية (بالقطع الأجنبي أو بالمعادن الثمينة)، ولا يشترط التكرار في هذا الجرم فالتسديد لمرة واحدة يشكل جرم التعامل، سواءً كان العمل مدنياً أم تجارياً. جُرم عرض السلع والخدمات بغير الليرة السورية: لا يشترط لاكتمال الركن المادي لهذا الجرم أن تتم العملية، بل يكفي أن تعرض السلعة بغير الليرة السورية، سواء بالإعلان أم بكتاب خطي أم وضع لوحة على السلعة بالقطع الأجنبي من دون ترخيص مسبق. ثانياً: حالات عدم وجود جرم رغم وجود قطع أجنبي: الحيازة المجردة: تعتمد الضابطة في عملها على قاعدة أن حيازة القطع الأجنبي لا تشكل جرماً، إلا إذا اقترنت بدليل مكتوب أو جرم مشهود أن الحيازة ناجمة عن جرم، أو مُعدة لاقتراف جرم. وتصل عقوبة التعامل بالدولار إلى سبع سنوات سجناً.

التعليقات معطلة.