بشكل عام، يتحدث جمهور واسع من المدخنين عن أن ممارستهم لتلك العادة تستند إلى أشياء كثيرة تشمل كونها وسيلة لمكافحة التوتر وحلاً يستجلب الاسترخاء في ظروف مختلفة. ولا يتردد البعض في الحديث عن التدخين كعلاج فاعل لمشاعر القلق والتوتر. وإذ تربط دراسات عدة بين استهلاك النيكوتين وانخفاض معدلات الضغط النفسي، يبدو أحياناً أن فعل التدخين بحد ذاته يستدعي نوعاً من الاسترخاء، على الأقل بالنسبة إلى المتعودين عليه. وبالنسبة إلى هؤلاء، يبدو فعل التدخين أقرب إلى تمارين التنفس والاسترخاء التي يشجع عليها بعض الخبراء بهدف الحد من القلق والتوتر.
كيف يؤثر التدخين والنيكوتين على الدماغ؟
ثمة مقال منشور على الموقع الشبكي لـ”المجلة الطبية البريطانية” British Medical Journal يتضمن أن الشهيق والزفير العميقين، والبطيئين غالباً، يعززان حالة مزاجية إيجابية لدى المدخن.
وحينما يدخن الإنسان، تصل مادة النيكوتين إلى الدماغ خلال ما لا يزيد عن عشر ثوان. يترافق ذلك مع زيادة التركيز وتحسّن المزاج، وانخفاض في مشاعر التوتر والغضب، وارتخاء العضلات، وتدني الرغبة في تناول الطعام.
كذلك تُحدث الجرعات المنتظمة من النيكوتين تغييرات في الدماغ، مما يؤدي إلى أعراض متنوّعة، تترافق مع التوقف عن أخذ النيكوتين. واستكمالاً، من المستطاع التخلّص من تلك الأعراض عبر العودة إلى تناول النيكوتين، مما يرسم أحد ملامح ظاهرة التعلق الإدماني بالتدخين، والحديث الواسع عن اللجوء إلى السيجارة في أي وقت، بغية تخفيف حالات التوتر.
في ذلك الصدد، توضح الاختصاصية في المعالجة النفسية رامونا حداد بأن لا شك في الدور الذي يؤديه النيكوتين في التأثير النفسي للتدخين إذ ترفع تلك المادة مستوى إفراز الـ”دوبامين” [يندرج ضمن هرمونات السعادة] في الدماغ.
بشكل عام، يبدأ أي سلوك إدماني بهدف التعامل مع التوتر أو الوجع أو غيرهما من المشاكل، وفق رامونا. وفي جميع المراحل، يرتبط الإدمان بالعلاقة مع المادة التي يجري التركيز على تناولها.
وبحسب رامونا، لا بدّ من البحث عن الهدف من التدخين، وعن الأثر الذي يتوخاه المستعمل من اللجوء إلى التبغ. ويعني ذلك أن تعلّق المتعاطي بمادة الإدمان تستند إلى ما تقدمه الأخيرة له/ لها من مشاعر مرغوبة.
ما دور تمارين التنفس والاسترخاء؟
بعيداً عن أثر التدخين والنيكوتين على الدماغ في الحدّ من التوتر ومواجهة الضغط النفسي، يجد المدخنون نوعاً من التنفيس العاطفي في عملية سحب الدخان من السيجارة بذاتها (شهيق عميق) ثم نفثه عبر عملية زفير متطاول. وقد تتشابه تلك الآلية إلى حدّ ما مع تمارين التنفس والاسترخاء التي يدعو إليها بعض الخبراء.
ففي مكافحة التوتر، يعتقد معظمنا بأن الاسترخاء يكون بالتمدّد ومشاهدة التلفزيون بعد يوم طويل من الضغط النفسي والتوتر. لكن بحسب ما نشر في موقع “هيلب غايد. أورغ” Helpguide، لا تؤثر تلك الأمور في مكافحة التوتر، إلا بشكل محدود تماماً. وللحصول على الاسترخاء المنشود، يتوجب السعي إلى تعزيز ردة الفعل الطبيعية للجسم التي تعينه في وضع حدّ لحالة التوتر وإبطاء التنفس، وخفض نبضات القلب ومستوى ضغط الدم، وتحقيق التوازن بين الجسم والذهن. ومن المستطاع تحقيق ذلك باللجوء إلى تمارين الاسترخاء والتأمّل والتنفس التي تعتمد على شهيق وزفير عميقين وبطيئين.
تأثير نفسي للسيجارة
في الواقع يلجأ كثيرون إلى السيجارة وكأنها علاج نفسي ذاتي لهم. ويجد كثيرون فيها وسيلة للاسترخاء وخفض التوتر.
ووفق ما ورد أخيراً في sciencedirect، فقد أشارت دراسات سابقة إلى وجود علاقة بين تدخين السيجارة وانخفاض معدلات التوتر . وفي استقصاء بين المدخنين، تمثّل المبرر الأبرز للتدخين بالحد من التوتر والاسترخاء. كذلك بيّنت الدراسة أن مؤشرات القلق لدى المدخنين أدنى من سواهم.
وفي سياق متصل، تناولت دراسات سابقة الأثر النفسي الإيجابي للتدخين بالاستناد إلى مؤشرات عقلية وجسدية، وتبين أن التدخين قد يخفض مستويات القلق والتوتر بالفعل، لكن تأثيره الجسدي المباشر يشمل تسريع نبضات القلب، مما يدل على ارتفاع معدلات التنبّه المرتبط مع الاستجابة الطبيعية للمستويات المنخفضة من التوتر. وقد يتشابه ذلك، وفق دراسات عدة، مع آثار العلاج النفسي بالموسيقى أو الفن أو تمرين الاسترخاء والتأمل. بالتالي، هنالك طابع معقد ومتناقض لظاهرة التعلق بالسيجارة، على الرغم من أن معظم المدخنين لديهم توقعات مستمرة عن الأثر النفسي الإيجابي للتدخين، قد تشمل توقع لحظات من الاسترخاء والتخفّف من التوتر.