في الأول من نيسان/أبريل، تَقدّم المغرب بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي بخصوص “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” المعروفة باسم “البوليساريو” المدعومة من الجزائر. واتّهم الجماعة بنقل وحداتٍ عسكرية إلى الأجزاء الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية من المنطقة العازلة التي ترصدها الأمم المتحدة والتي تفصل الصحراء الغربية التي يسيطر عليها المغرب عن الجزائر وموريتانيا. وعلى الرغم من اقتصار هذا التصعيد على المستوى الخطابي حتى الآن، إلا أنه لا يمكن استبعاد إمكانية نشوب نزاع مسلح بسبب الصدامات السابقة وعقود من التوترات المريرة بين الرباط، والجزائر، و”جبهة البوليساريو”.
صراع لم يُحسم بعد
تم إنشاء المنطقة العازلة في إطار اتفاقية المغرب لعام 1991 لوقف إطلاق النار مع “البوليساريو”، وهي جماعة تدعي أنها تمثل الجالية الصحراوية الأصلية. وكانت قد صيغت هذه الاتفاقية بعد أن خاض الجانبان حرباً دامت خمسة عشر عاماً على أراضٍ متنازع عليها؛ ودعت الاتفاقية إلى إجراء استفتاء لتحديد فيما إذا كان الصحراويون سيختارون الاستقلال أو الاندماج في المغرب. كما ونص الاتفاق على نشر قوة لحفظ السلام تُعرف باسم “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية” [“المينورسو”].
وفي عام 2007 وبينما بقي النزاع مجمداً إلى حد كبير، اقترحت الرباط خطةً لمنح الصحراويين الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة اقتراحاً “جدياً وواقعياً وذا مصداقية”. وواصلت الجزائر دعمها لـ “جبهة البوليساريو”، غير أنها رفضت أي اقتراح لا يشمل الاستقلال. ومنذ ذلك الحين، تم إحراز تقدم ضئيل لحل النزاع . إذ لم يتم إجراء الاستفتاء بعد، في حين تعمّقت سيطرة المغرب على الأراضي المتنازع عليها وسط اندلاع أعمال عنف بين الحين والآخر.
وفيما يتعلق بالمواجهة الدبلوماسية الحالية، وصف السفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال النشر المزعوم [لوحدات] “البوليساريو” بأنه “سبباً للحرب”، في حين حذّر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة من أنّه إذا لم ترغم الأمم المتحدة الجماعة على الانسحاب، فستُحكِم المغرب سيطرتها على المنطقة العازلة. ويبدو أن الرباط قد سلّمت الرسالة نفسها إلى الجزائر. ومن شأن التقارير التي أفادت بأن ما يصل إلى ستة وعشرين من ضحايا طائرة عسكرية جزائرية كانت قد تحطّمت في الحادي عشر من نيسان/أبريل الجاري كانوا من عناصر “البوليساريو”، أن تؤدي إلى تغذية الاعتقاد بأنّ خصم المغرب منذ فترة طويلة لا يزال يدعم الجماعة. إلاّ أن “البوليساريو” سرعان ما عارضت الأمر – ففي رسالة بتاريخ 2 نيسان/أبريل، وصف ممثل الجماعة في الأمم المتحدة أحمد بخاري اتهامات المغرب بأنّها “لا أساس لها وعارية عن الصحة”، معتبراً أنّ المملكة تسعى إلى تغيير الوضع الراهن في المنطقة العازلة. (وبعد يومين من استلام الرسالة في الأمم المتحدة، أعلنت الجماعة أن البخاري قد وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض).
ولا يمكن وصف الردّ الأولّي للأمم المتحدة على هذه الاتهامات بأنّه كان حاسماً بالكامل. ففي 2 نيسان/أبريل، أخبر المتحدث ستيفان دوجاريك المراسلين أنّ “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية” لم ترصد أي “تحرك للعناصر العسكرية إلى الإقليم الشمالي الشرقي”. ومع ذلك، فإن التقرير الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قبل ذلك بأربعة أيام حثّ “جبهة البوليساريو” على سحب موقع المراقبة المدنية الذي كانت قد نصبته في بلدة الكركرات جنوب غرب الصحراء الغربية في كانون الثاني/يناير- وهي خطوة من المرجح أنها قد انتهكت اتفاقية الأمم المتحدة من نيسان/أبريل 2017 التي دعت قوات المغرب و”البوليساريو” إلى الانسحاب من المدينة. كما أوصى التقرير بتمديد ولاية “المينورسو” حتى أيار/مايو 2019، وهو القرار الذي سيصوت عليه مجلس الأمن الدولي في وقت لاحق من هذا الشهر. وفي غضون ذلك، أفادت الأنباء بأن المغرب قدّم للأمم المتحدة صوراً مأخوذة بالأقمار الصناعية تعود إلى أواخر آذار/مارس تشير إلى أعمال البناء التي تقوم بها “البوليساريو” في المنطقة العازلة. وقالت الأمم المتحدة إنها ستواصل دراسة الموضوع، وحتى كتابة هذه السطور، لم يتم اتخاذ أي إجراء.
المصالح الأمريكية على المحك
لدى الولايات المتحدة سبب كافٍ لمنع إحدى المناطق القليلة المتبقية التي لا تزال تنعم بالاستقرار النسبي في العالم العربي، من السقوط في هوة الحرب. وقد يؤدي اندلاع الأعمال العدائية في الصحراء [الغربية] إلى زعزعة استقرار المغرب – حليف قديم للولايات المتحدة وشريك في مكافحة الإرهاب. وعلى أقل تقدير، فإن نشوب مثل هذه الأعمال قد يقوّض جهود الرباط التي دامت سنوات والرامية إلى التعاون مع الجزائر بهدوء لمكافحة الإرهاب.
إن الصحراء الغربية – وهي منطقة صحراوية شاسعة غير مكتظة بالسكان وذات موارد معدنية غنية محتملة – غير معروفة جيداً لمعظم الأمريكيين، ولكن النزاع الذي مضى عليه عقود من الزمن حول الإقليم هو قضية مثيرة للمشاعر لدى القادة في المنطقة. وعلى هذا النحو، تستحق التوترات المتزايدة استجابة متأنية من واشنطن.
وكلّما كان المغرب يشعر سابقاً أن الدعم الأمريكي لموقفه ضعيف أو متقلّب، كانت العلاقة الثنائية بين البلدين تعاني وكانت واشنطن تفقد نفوذها في جهودها الرامية إلى منع تدهور الأوضاع على أرض الواقع. وفي الأسابيع الأخيرة، أعرب المسؤولون المغاربة عن قلقهم العميق من احتمال تحوّل الموقف الأمريكي. لذلك، يجب أن يكون الهدف الأسمى لإدارة الرئيس ترامب هو إيجاد نقطة دبلوماسية مثالية، وطمأنة الرباط والامتناع في الوقت نفسه عن اتخاذ أي مبادرات قد يفسّرها أي من الطرفين على أنّها متحيزة لجانب واحد بما يكفي لتبرير شنّ أعمال عنف.
يُذكر أنّه في 3 نيسان/أبريل، وبعد أن أجرى وزير الخارجية الأمريكي بالوكالة جون سوليفان محادثات مع وزير الخارجية المغربي بوريطة في واشنطن، أعادت وزارة الخارجية الأمريكية التأكيد على التحالف بين الولايات المتحدة والمغرب وأعربت عن “التزام الولايات المتحدة بالجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي سلمي ومستدام ومقبول للطرفين” لنزاع الصحراء الغربية. ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تفكر الآن في التأكيد على موقفها الإيجابي إزاء خطة الحكم الذاتي [التي اقترحتها] المغرب عام 2007، والتي من المرجح أن تجعل الرباط أكثر تقبلاً لتدابير بناء الثقة التي تهدف إلى الحد من التوترات وتعزيز “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية”. وفي موازاة ذلك، يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يحثوا الجزائر والمغرب على ألا يغفلوا التحديات الأمنية الإقليمية المشتركة، والتي يمكن أن تتفاقم إذا ما اندلعت أعمال عدائية حول الصحراء الغربية.