اخبار سياسية

تعديل وزاري في تونس… التكنوقراط خيار سعيّد للإنقاذ رغم امتعاض الحزبيين

الرئيس التونسي قيس سعيد مع الوزراء الجدد.

بعد أشهر من الانتظار، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد تعديلاً وزارياً جديداً شمل 3 حقائب اقتصادية بالأساس، وتضمّن أسماء وزراء من التكنوقراط، في خطوة أعادت طرح المزيد من الأسئلة بشأن رؤية سعيّد لكيفية معالجة أزمات بلاده، وموقفه من الأحزاب بشكل عام. وشمل التعديل وزارات الاقتصاد والتخطيط، والصناعة والمناجم والطاقة، والتشغيل والتكوين المهني. التعديلات والتعييناتوعيّن سعيّد كلاً من فريال الورغي وزيرة للاقتصاد والتخطيط، وفاطمة ثابت وزيرة للصناعة والمناجم والطاقة، ولطفي ذياب وزيراً للتشغيل والتكوين المهني، وسمير عبد الحفيظ كاتب دولة لدى وزيرة الاقتصاد والتخطيط ومكلفاً بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة.  كما عيّن كاتبين للدولة (مساعد وزير) هما وائل شوشان، كاتب دولة لدى وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، مكلفاً بالانتقال الطاقي، فيما وللمرّة الأولى تمّ تعيين كاتب دولة لدى وزير التشغيل والتكوين المهني مكلفاً بالشركات الأهلية، في خطوة تكشف حجم رهان الرئيس التونسي على هذا النوع من الشركات. والشركات الأهلية هي شركات تعمل على المبادرة الجماعية وفق الاقتصاد التضامني، وتدور حولها ضجّة كبيرة في تونس منذ إعلان سعيّد عن قانون لها. وقبل تعيين الوزراء الجدد ظلّت الوزارات الثلاث لمدة أشهر شاغرة رغم تعيين رئيس حكومة جديد.وفي شهر آب (أغسطس) الماضي كلّف سعيّد أحمد الحشاني برئاسة الحكومة خلفاً لنجلاء بودن، وكلاهما لا يمتلك تاريخاً سياسياً.  وتعيين الوزراء وإنهاء مهمّاتهم باتا من صلاحيات رئيس الجمهورية في تونس بموجب الدستور الجديد للبلاد المصادق عليه عام 2022 بعد استفتاء شعبي.خيار التكنوقراطولم يشذ سعيّد في اختياره الوزراء المعينين الأربعاء، عن نهجه في اختيار كل أعضاء الحكومات السابقين منذ أمسك بزمام الحكم، بعد الإجراءات الاستثنائية في البلاد في 25 تموز (يوليو) الماضي، إذ استبعد كل الأسماء المسيّسة أو المدعومة من الأحزاب، وبات يعوّل بشكل كلي على إداريين بالأساس. ولا يملك الوزراء الجدد، بحسب السيرة الذاتية لكل منهم، انتماءً أو نشاطاً حزبيّاً سابقاً، وجلّهم من كوادر الإدارة ولهم خبرة طويلة في اختصاصاتهم. وهو ما يعكس رؤية واضحة للرئيس سعيّد، تعتمد مقياس الكفاءة لاختيار من سيتولّى المناصب المهمّة لإدارة مؤسسات الدولة، على ما يقول الأمين العام لحزب “حراك 25″ حسام بن أحمد، موضحاً في حديث لـ”النهار العربي” أنّ كوادر الإدارة في تونس قادرة على الاستجابة لمتطلبات المرحلة.  ويرى أنّ التعديل الوزاري الجديد تضمّن أسماء لها خبرة ودراية بالوزارات والملفات التي عُهد لها بها، وهو ما يتوقع أن “يقدّم إضافة الى العمل الحكومي في هذا التوقيت الدقيق الذي تواجه فيه تونس ملفات كثيرة شائكة”.ملفات حارقةوسيكون الوزراء الجدد في مواجهة ملفات حارقة وأزمة اقتصادية خانقة، على رأسها توفير موارد لتعبئة موازنة البلاد، والقيام بإصلاحات كبرى في مختلف المجالات، وإيجاد مشاريع تنويع الاستثمار مقابل تقليص المديونية وسداد القروض الكبيرة التي يتوجب على البلاد تسديدها من دون اللجوء إلى خيار صندوق النقد الدولي، وهي معادلة صعبة بحسب الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي الذي يقول لـ”النهار العربي” إنّ الحكومة الحالية مطالبة بحسن التعامل مع ملفين رئيسيين، هما ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي واستقلالية البنك المركزي. ومساء الخميس، صادق مجلس الوزراء في تونس على مشروع قانون يسمح للمصرف المركزي بتمويل الخزينة العامة للبلاد، في خطوة تعزز مخاوف كثيرين بشأن استقلالية هذه المؤسسة المالية. ولم تنجح تونس بعد في الوصول إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، في وقت تشترط المؤسسة الدولية القيام بجملة من الإصلاحات، في مقدّمتها رفع الدعم، بينما يرفض سعيّد ذلك. وكانت المواقف التي أدلى بها بعض الوزراء السابقين في هذا الخصوص سبباً لإقالتهم من مناصبهم. قطيعةلكن التعويل على التكنوقراط في نظر كثير من المراقبين يزيد من العزلة السياسية الاختيارية للرئيس سعيّد، ويعمّق قطيعته مع الفاعلين السياسيين، بما في ذلك الأحزاب الداعمة له، والتي نادى بعضها في مناسبات عديدة بحكومة مسيّسة تعمل في إطار مشروع إصلاح متكامل. ويرفض سعيّد هذا الخيار، وكثيراً ما كان يعبّر عن تبرّمه من الأحزاب السياسية التي فضّل استبعادها من الحكم، ليجمع كل الصلاحيات بيده بناءً على ما يمنحه الدستور الجديد له كرئيس للجمهورية. ويقول بن أحمد إنّ الأهم الآن هو نجاح هذه الحكومة مهما كان لونها، مضيفاً أنّ الفاعلين السياسيين الذين انخرطوا في هذا المسار لا يعنيهم الحكم بدرجة أولى بقدر ما يعنيهم نجاح المسار، ويضيف: “في المرحلة الحالية هناك الكثير من الخراب الذي وجب ترميمه قبل التفكير في الحكم”. لكن النائب عبد الرزاق عويدات، رئيس كتلة الخط الوطني وعضو حزب “حركة الشعب” الداعم للرئيس سعيّد والذي كرّر في أكثر من مناسبة الدعوة الى تشكيل حكومة سياسية، يشدّد على أن يكون أعضاء الحكومة من المتمكنين من السياسة، وأن يكون عملهم في إطار مشروع ورؤية متكاملين. ويأتي التعديل الوزاري الجديد مع انطلاق السنة الانتخابية الرئاسية الجديدة، التي يتوقع أن يترشح لها سعيّد، ما يزيد من الغموض بشأن برنامجه الانتخابي ومدى استعانته بحزام حزبي داعم له من عدمه.