اخبار سياسية عالمية

تعرّف إلى ابن مؤسس أمريكا الذي حارب مع بريطانيا ضد والده ونُفي بعد الحرب

 

الحروب كعادتها تفرق عائلات وتشرذمها، بالموت حينًا وبالهجرة حينًا آخر، والأغلب أن هذه العائلات تكون في نفس جبهة القتال، أما أن تكون العائلة في جبهتين، فهذا قلما يحدث، وتتضاءل النسبة حين يكون الأب في مواجهة ابنه، وتتضاءل أكثر إن كان الأب واحدًا من مؤسسي الدولة، والابن حاكم ولاية، لكن يقف أمام استقلال بلاده، وأمام أبيه في آن واحد، المدهش أن هذا لم يكن في الماضي السحيق، بل في العصر الحديث؛ وفي أمريكا، كان الأب بنجامين فرانكلين، والابن ويليام.

ابن غير شرعي وأم مجهولة
في ولاية فيلادلفيا ولد ويليام بنجامين فرانكلين في مطلع ثلاثينات القرن 18، عاش مع والده في حين كانت هوية أمه مجهولة، وأشار بعض المؤرخين أنها ربما ديبورا زوجة بنجامين فرانكلين، ولكن أنجبته قبل الزواج، وأخفوا الأمر، ورجح آخرون أن أمه كانت من طبقة دنيا، لذا أبُعد عنها؛ حتى لا تتأثر سمعة بنجامين فرانكلين السياسية، لكن في النهاية عاش ويليام مع والده وزوجة أبيه وعُومل جزءًا من العائلة، كصبي صغير.

كانت العلاقة بين بنجامين وويليام قوية، بل إن ويليام كان يساعد أبيه في أعماله في الطباعة وتجاربه العلمية؛ بما في ذلك تجربة الطائرة الورقية الشهيرة عام 1752، والتي أثبت بها بنجامين فرانكلين أن البرق عبارة عن كهرباء.

انضم ويليام إلى الجيش البريطاني مجند وشاركًا في حرب الملك جورج، وشارك في رحلات استكشافية ضد الفرنسيين في كندا وحصل في النهاية على رتبة قائد، أرسل بنجامين ابنه ويليام إلى لندن ليدرس القانون وكان يمهد له طريقه السياسي، وكانا – ويليام وبنجامين فرانكلين – شريكين ومقربين، وعملا سويًا.

السياسة تبدأ من نفوذ الأب
مع تردد اسم بنجامين فرانكلين في الساحة السياسية سارع الأب بتقديم ويليام إلى المشهد السياسي، وبالأخص أن بنجامين أراد أن يصنع لنفسه اسمًا كحلقة وصل بين ولاية بنسلفانيا الأمريكية والمملكة البريطانية؛ فلجأ إلى ويليام، والذي ساعده في هذا المسعى، ولكن يبدو أن هذا كان بداية زرع بذرة الانتماء لبريطانيا لدى ويليام الشاب الصغير، ولم يكن بنجامين يدرك ذلك.

كان ويليام ينوي الزواج من إليزابيث جرايم، ابنة طبيب فيلادلفيا البارز الدكتور توماس جرايم وحفيدة حاكم بنسلفانيا الرابع عشر، السير ويليام كيث، لكن لم يكن بنجامين راضيًا عن هذا الزواج، وحين ذهب ويليام إلى لندن لدراسة القانون تزوج من إليزابيث أخرى تدعى إليزابيث داونز، ولديه ابن واحد، ويليام تيمبل فرانكلين، وكان أيضًا طفلًا غير شرعي، وتركه إلى أبيه بنجامين ليقيم معه لأنه كان مشغولًا بحياته المهنية.

استخدم بنجامين نفوذه في مساعدة ويليام على الفوز بمناصب سياسية، فحين انتخب الأب في جمعية بنسلفانيا، ساعد ابنه ليعمل كاتبًا في الجمعية، وحين اندلعت الحرب الفرنسية – الهندية عام 1754 ساعد ويليام والده بنجامين في تنظيم الحملات العسكرية، لكن الخدمات التي قدمها والده له كانت أكبر، بل إن ويليام أرسل إلى والده عام 1758 رسالة امتنان لدعمه، جاء فيها: «أنا ممتن لك للغاية لرعايتك ودعمي بالمال، ويجب أن يكون لدي شعور بالامتنان مع ما غمرتني به وتلقيته من محبتك الأبوية».

ويليام يحكم نيو جيرسي
نجحت مساعي الأب بنجامين فرانكلين حينما عُين ابنه حاكمًا ملكيًا لولاية نيو جيرسي بأمر من جورج الثالث ملك بريطانيا في عام 1763، واجه ويليام صعوبة في بادئ الأمر في حكم نيو جيرسي؛ لأن سياساتها معقدة؛ فهي مقسمة إلى قسمين، لكل منهما ثقافته الخاصة، ويريد كل جزء أن تركز الحكومة على مخاوفه، ووفقًا للمؤرخ ويلارد ستيل راندال في كتابه «انتقام صغير» يقول ويليام: «كنت الحاكم الأبدي والأكثر تقدمًا في نيو جيرسي».

ويليام فرانكلين

تمكن ويليام من تطوير نيو جيرسي، فاستخدم اليانصيب لبناء الطرق والجسور وتحسينها، وساهم في تشييد جامعة كوينز كوليدج، والتي أصبحت الآن تُعرف باسم «روتجرز»، وهي جامعة بحثية عامة، وساهم في وضع خطط لرعاية ومساعدة المزارعين المتعثرين، وأوجد حلولًا للنقص النقدي للمستعمرة، أما بنجامين فرانكلين فكان شاهدًا على كل ما سبق، ووقتها كان يقطن مع ويليام في قصر بيرث أمبوي الخاص بحاكم الولاية، وحتى عام 1775.

قبل عام 1775 كانت الولايات الثلاث عشرة الأصلية في أمريكا تتبع التاج البريطاني، وكان الأمريكيون يفخرون بذلك، حتى بدأت بريطانيا بتغيير سياساتها وفرض الضرائب، رفض الأمريكيون الانصياع إلى أوامر بريطانيا، وبدأت سلسلة من الخلافات السياسية بين بريطانيا ومستعمراتها من ناحية، وبين الشعب الأمريكي من ناحية، أدت هذه الخلافات في نهاية الأمر إلى اندلاع حرب الاستقلال الأمريكية والتي عرفت باسم «الحرب الثورية عام 1775».

فرانكلين.. اسم في جبهتي الحرب
رغم أن حكام الولايات الثلاث عشرة كانوا معينين من المملكة البريطانية؛ إلا أن هذا لم يمنعهم أن يقفوا مع الشعب الأمريكي، وضد بريطانيا في سبيل تحقيق الاستقلال التام عنها، أما ويليام فكان رأيه مغايرًا؛ إذ رفض بشدة الانفصال عن التاج البريطاني، ورفض ما أحدثه الشعب من شغب، وقال في خطابه إلي الهيئة التشريعية في نيو جيرسي: « كل خرق للدستور، سواء كان من التاج البريطاني، أو من الشعب، ستكون آثاره مدمرة».

كان بنجامين فرانكلين الأب من أبرز من طالبوا الاستقلال عن بريطانيا، وحين اندلعت الحرب اختير للعمل مندوبًا في المؤتمر القاري الثاني، وهو الهيئة الإدارية الأمريكية آنذاك، وفي عام 1776 كان عضوًا في اللجنة المكونة من خمسة أعضاء، والتي ساعدت في صياغة إعلان الاستقلال، والذي أعلنت فيه المستعمرات الأمريكية الثلاث عشرة حرّيتها من الحكم البريطاني.

وفي العام نفسه، أرسل الكونجرس بنجامين فرانكلين إلى فرنسا لطلب مساعدتها عسكريًا في حرب الاستقلال، ونجح بنجامين فرانكلين في إدخال الفرنسيين في تحالف عسكري مع أمريكا، وقدم الفرنسيون الجنود والإمدادات والأموال التي كانت حاسمة لانتصار أمريكا في الحرب.

وبسبب دور والده بنجامين فرانكلين المحوري أبًا مؤسسًا للثورة الأمريكية، وولاء ويليام لبريطانيا، فالعلاقة توترت بينهما، ووصلا إلى نقطة حرجة لا يمكن الاستمرار بعدها، وحاول بنجامين إقناع ويليام بالانضمام إليه، والانضمام إلي الشعب الأمريكي، والاستقلال، لكن ويليام رفض، وبقي مواليًا للتاج البريطاني.

ويليام.. من القصر إلى السجن
ظل ويليام معتقدًا أن الاستقلال سيخلق الفوضى وتقسيم البلاد، لذا ظل يرسل رسائل سرية للملك البريطاني، لكن ضبطت إحدى رسائله، وقرر الجيش الثوري إسكاته، وفي يونيو (حزيران) عام 1776 أوقفته قوة من رجال الجيش الثوري بقيادة الكولونيل ناثانييل هيرد، ووضعته تحت الإقامة الجبرية، ثم نقل إلى ولاية كونيتيكت، وبقيت زوجته إليزابيث في قصر الحكم، وحين تراجعت القوات البريطانية من مدينة بيرث أمبوي إلى نيويورك، رافقتهم إليزابيث، ولم يرها ويليام مرة أخرى؛ لأنها ماتت في نيويورك، وهو رهن الاعتقال.

أطلق سراح ويليام أخيرًا عام 1778 باعتباره أسير حرب أمريكي، انتقل إلى مدينة نيويورك، والتي كانت لا تزال تحت الحكم الاستعماري البريطاني، ونشط ويليام بنيويورك في المجتمعات الموالية لبريطانيا، وأيضًا سعى إلى شن حرب عصابات والانتقام مما أسماهم المتمردين، لكن رفض الجنرال البريطاني هنري كلينتون حرب العصابات.

في عام 1782، وفيما كانت الحرب قد شارفت على الانتهاء، نفي ويليام مع الموالين الآخرين إلى إنجلترا، وانتهت الحرب عام 1783، أما بنجامين فرانكلين فكان في موقف لا يحسد عليه، وبالأخص أنه صار أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية.

محاولات الصلح.. ووداع أخير
وفقًا لوثيقة تخص ويليام فرانكلين محفوظة في الأرشيف الوطني لإنجلترا، فإن بنجامين بدأ المصالحة عام 1784، وأخبر أحد معارفه أن الناس الذين اتخذوا طرقًا متضاربةً في الحرب يجب أن يكونوا قادرين على صنع السلام بمجرد انتهاء الحرب، ودعا ويليام للمصالحة، وفي الوثيقة نفسها فإن ويليام حاول أن يتصالح مع والده، إلا أن جهودهما فشلت.

بنجامين فرانكلين على عملة المائة دولار الأمريكية

التقي ويليام مع والده فرانكلين للمرة الأخيرة عام 1785 حين توقف بنجامين في بريطانيا بعد عودته من رحلة إلى فرنسا، لم يعرف أحد ما الذي دار بينهما، لكن ما أشار إليه المؤرخون أن السياسة لم تكن هي السبب الوحيد في فتور العلاقة بين الأب والابن فرانكلين، المال أيضًا، فوفقًا للوثيقة السابقة نفسها، فإن بنجامين طلب من ويليام في خطاب أرسله في نفس عام اللقاء الأخير بينهما أن يسدد ديونه التي كان يدين بها له، بإعطاء بعض الأراضي التي يملكها في نيويورك ونيوجيرسي لابنه – ابن ويليام غير الشرعي والمحبوب لبنجامين – لكن ويليام منح ابنه أرض نيويورك، وباع أرض نيو جرسي، وبعدها لم يرد بنجامين مرة أخرى على رسائل ويليام.

توفي بنجامين فرانكلين عام 1788، وفي وصيته ترك ويليام عمليًا دون أي ثروة، باستثناء بعض الأراضي في نوفا سكوتيا إحدى مقاطعات كندا، ولم يذكر بنجامين ابنه في سيرته الذاتية، إلا بشكل غير مباشر، بينما توفي ويليام فرانكلين في عام 1813، لكن احتفظت أمريكا بدور بنجامين فرانكلين في تأسيسها عبر وضع صورته على عملة المائة دولار الأمريكية، أما ويليام فلديه بلدة فرانكلين، في مقاطعة بيرجن، بولاية نيو جيرسي مسماة على اسمه وقت أن كان حاكم نيو جيرسي.