“تعظيم إيرادات الدولة” شعار يتكرر على ألسنة المسؤولين، لكنه في التطبيق بات عبئًا ثقيلًا على كاهل المواطن، لا وسيلة للنهوض الاقتصادي كما يُفترض. فبدلاً من أن تُستثمر الموارد وتُفَعَّل القطاعات الإنتاجية، اختُصِر الطريق بفرض الرسوم والضرائب على المواطنين، حتى أصبحت مراجعة أبسط دائرة حكومية، كدوائر المرور أو الجنسية، رحلة استنزاف مالي تحت هذا العنوان البراق.
الغريب في الأمر أن هذه الإيرادات، التي تُجبى من جيوب المواطنين، لا تجد طريقها إلى الخزينة العامة للدولة في أغلب الأحيان، بل تُوزع وفق نظام المحاصصة الذي ابتليت به البلاد، ليصبح تعظيم الموارد مجرد ذريعة لتكريس الفساد وتقوية نفوذ الأحزاب والمصالح الضيقة.
منذ صغرنا، ونحن نسمع في المناهج المدرسية والمنابر الوطنية، أن تعظيم إيرادات الدولة لا يتم عبر جباية الرسوم، بل من خلال تنشيط الزراعة والصناعة، وتشغيل اليد العاملة، وخلق بيئة اقتصادية حيوية ترفع من دخل الدولة وتقلل من اعتمادها على الريع النفطي. فالعراق بلد غني بموارده، يمتلك ثروة نفطية هائلة، إلى جانب طاقات بشرية شابة وأراضٍ زراعية خصبة، تؤهله ليكون في طليعة الدول المنتجة والمصدرة.
لكن المؤسف أن النفط، رغم وفرته، يُهدر دون تخطيط بعيد الأمد، وكأن الدولة لا تدرك أن هذه الثروة ناضبة بطبيعتها، وأن الاعتماد المطلق عليها لن يورثنا سوى الفقر حين تنضب. فبدلاً من أن يُستثمر العائد النفطي في بناء المصانع وتحديث أساليب الزراعة وإنشاء مشاريع مستدامة، يُهدر في نفقات جارية وصفقات مشبوهة لا تسمن ولا تغني من جوع.
تعظيم الإيرادات الحقيقية يعني بناء دولة منتجة لا دولة جباية. دولة تفتح باب العمل والابتكار أمام شبابها، لا تلاحقهم برسوم ومعاملات معقدة. دولة تستثمر ثرواتها في تنمية الإنسان قبل البُنيان. فهل من مراجعة وطنية حقيقية تعيد البوصلة إلى طريقها الصحيح؟