تغريد الطاسان

4

شيطان أخرس

نحن نعيش عصر الدولة السعودية الجديدة، التي تنظر إلى المستقبل وتهتم بالأجيال، وتحسب حساب كل شيء، ولا تضع كل شيء في سلة واحدة، ولا ترهن مستقبلها لشيء واحد وتبني عليه كل خططها فتخسر إن خسر.
قرار التحديث والتنمية تم اتخاذه، وتم تنصيب القوي الأمين عليه ليصل بنا إلى بر الأمان، ولكي نصل لا بد من بنية تحتية نستطيع إقامة قواعد النجاح عليها، وأهم شيء في هذه البنية الحفاظ على المال العام، الذي هو حق لكل مواطن على هذه الأرض، ولكل مواطن سيأتي بعد حين ليعمر هذه الأرض ويكمل مسيرتها.
ما حدث ليلة الأحد الماضي هو امتداد لـ«العزم» و«الحزم» اللذين نعيش معهما أجمل حياة لنا، ونؤمن من خلالهما أننا في كنف وطن شجاع وتحت إمرة قائد شجاع.
القضاء على الفساد والمفسدين هو مطلب كل دولة ومجتمع، ومهما تعددت الأنظمة وتكاثرت اللوائح ما زال بعضهم يجد مخرجاً له هنا وهناك ويستولي على ما لا حق له فيه. لذلك، تأخرنا كثيراً على رغم أننا نملك الخير الكثير، ونملك ما يؤهلنا لنكون في مصاف الدول المتقدمة نماء ورفعة.
الآن، وضعنا يدنا على الخلل، وتركنا كل الجهات الرقابية التي كان تقصيرها واضحاً للعيان، وتم إنشاء لجنة فعلت في يوم وليلة ما لم تفعله الجهات في عقود من السنوات.
ما حدث ليلة الأحد، وما بعدها، أثبت جدية الدولة في مشروعها وحرصها على أن يكون الكل سواسية أمام الحق العام، لا فرق بين أمير ومواطن، ولا بين وزير وموظف بسيط، وليس هناك متنفذ وليس هناك من هو فوق المساءلة والعقاب.
لن نستعجل الأحكام، ولن نلقي بالتهم، ولكننا على ثقة بأننا في حضرة القوة العادلة التي تضع مصلحتنا نصب عينيها، ومن عبث بنا وحرمنا من حق لنا سيجد مصيره عاجلاً وليس آجلاً.
التعامل مع الفساد والمفسدين ليس مسؤولية جهة واحدة، بل لا بد أن يتعداه إلى كل واحد منا، فالبيت لا بد أن يزرع الفضيلة في أفراده والخوف من الحرام في الأفعال، وفي المدرسة لا بد من تعليم الصغار والكبار معنى الفساد وأبعاده وأخطاره، وكيف نكون حصناً في وجهه وأصحابه ونكتشفه مبكراً قبل أن يكبر ويستفحل.
وفي جهات العمل، لا بد من رقيب ذاتي يجعل مصلحة وطنه والخوف من ربه نصب عينيه قبل توقيع شيء أو الموافقة عليه، ومن وجد شبهة أو وقف على تجاوز فلا يمارس إنكار القلب فقط، بل يذهب إلى صاحب الشأن ويخلي مسؤوليته.
نحن معاً جبهة واحدة ضد الفساد والمفسدين، تضخم ثرواتهم لن يكون على حسابنا، وتمتعهم بحياة نحن أحق بها لن نسمح به مجدداً. كلنا سواسية أمام المال العام والمكتسبات العامة، أما أن تستولي عليه فئة وتحرم فئات أخرى أحق؛ فهذا عهد من الماضي ولى!
الفساد ليس في مال فقط، بل يتعداه إلى الأخلاق والحريات، واستغلال المنصب النفوذ والصلاحيات في التضييق على حياتنا، لذا يجب عدم السكوت هنا ولا الرضا بقرارات مجحفة تخدم بشراً قليلين وتضر آخرين.
الحرب على الفساد لا بد أن تكون جسرنا للتنمية ودروبنا للتطور والتحديث، لنستطيع أن نضمن العدل وننعم بالرخاء ونجد الحياة التي تليق بنا، ويشعر كل مجتهد بأنه سينال نصيبه لا محالة.
من اليوم، لن نسمح بقوائم الانتظار في التوظيف والمستشفيات والمحاكم بلا سبب مقنع، ولن نسكت على حق لنا، والساكت عن الحق شيطان أخرس، فهذا عهد «رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه»، لهم منا البيعة والولاء والقيام بالواجبات، ولنا منهم الحق والعدل والمساواة.. وهنيئاً لنا بعهد طرفاه سلمان ومحمد.

التعليقات معطلة.