لا تزال قضية ما بات يُعرف إعلامياً بـ”إسكوبار الصحراء”، التي أسقطت شخصيات سياسية مغربية مسؤولة وبارزة تواجه تهماً خطيرة مثل الإتجار الدولي بالمخدرات والتزوير والنصب والاستيلاء على ممتلكات عقارية تعود لتاجر المخدرات المالي الذي يقبع حالياً في سجن “عكاشة” في الدار البيضاء، تشغل الرأي العام المغربي وتتصدّر عناوينها الأخبار، بعدما بات مسؤولون آخرون يتحسّسون رقابهم. تفجّرت القصة في المغرب، مُباشرة بعد تقديم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أمام الوكيل العام للملك (المدّعي العام المغربي)، نحو 25 شخصاً، يتقدّمهم رئيس مجلس عمالة الدار البيضاء ورئيس أحد أكبر الفرق الكروية، نادي الوداد البيضاوي، سعيد الناصيري وزميله عبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق، وشقيقه عبد الرحيم بعيوي، إلى جانب صهرهما البرلماني السابق بلقاسم مير، والأربعة هم من قادة ثاني أكبر حزب سياسي في المغرب وواحد من الأحزاب الثلاثة التي تقود الأغلبية الحكومية. وضمّت اللائحة أيضاً رجال أعمال ومديري شركات وتجاراً وعناصر أمنية ومصمّمة أزياء.
وولج بارون المخدرات المالي المعروف بـ”إسكوبار الصحراء”، واسمه الحاج أحمد بن إبراهيم، إلى المغرب عبر اقتناء مجموعة من العقارات فيه، مع بعيوي المعتقل على ذمّة التحقيق، وآخرين في الشمال والوسط وبالتحديد الدار البيضاء، وقد تمّ إدخال القنب الهندي، ووزعت بالفعل كميات تراوح ما بين 10 و200 طن، في عمليات تتمّ ما بين ثلاث وأربع مرات سنوياً. عمليات تهريب عديدةووفق ما كشفته مصادر أمنية مقرّبة من هذا الملف لـ”النهار العربي”، فقد توصّلت التحقيقات التي باشرتها السلطات المغربية، إلى أنّ بعيوي المعروف في أوساط تجارة المخدرات بلقبي “المالطي” و”الوجدي”، أنجز عمليات تهريب مخدرات عدة منذ سنة 2006، بمعية “إسكوبار الصحراء”، لذلك فإنّه عندما قرّر هذا الأخير سنة 2013 المجيء إلى المغرب والاستقرار فيه، قام شريكه في هذا المجال من دولة النيجر بربط الاتصال بالمسؤول المغربي الذي كان بارون المخدرات على اتصال دائم به عبر الهاتف عند التنسيق معه في عمليات التهريب، من دون أن يقابله بصفة شخصية. ولم يلتق بعيوي، ببارون المخدرات بصفة شخصية سوى بعد حلوله في المغرب سنة 2013. والتقاه لاحقاً في مدينة وجدة بتزكية من صديقه النيجيري المذكور، وذلك من أجل الاستقرار في المملكة وجعلها مركزاً لنشاطه في مجال التهريب والاتجار الدولي في المخدرات، بمشاركة عناصر الشبكة الإجرامية التي يقودها القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، وفق ما أوضحته المصادر ذاتها. توقيف واتهامات بـ”مكيدة”بعد خمس سنوات على ذلك، جرى توقيفه في موريتانيا، وقرّرت محكمة العاصمة نواكشوط عدم الاختصاص، وتلك كانت بداية التوتر مع شركائه المغاربة، الذين اتهمهم بالاستيلاء على ممتلكاته وتدبير مكيدة له، إذ حجزت السلطات المغربية 40 طناً من المخدرات في محطة استراحة في الجديدة، تمّ شحنها على متن مركبات تابعة لشركة كانت في ملكيته، لكنه باعها لمنتخب الشرق الذي لم يغيّر البطاقات الرمادية للشاحنات، وهو ما أدّى إلى توقيف المالي فور وصوله إلى الرباط، وبالتالي قرّر اعتماد مبدأ الأرض المحروقة للإطاحة بجميع شركائه في المغرب. وعلى رغم أنّ عدد السياسيين أقل ضمن المتابعين في هذا الملف الذي جرّ أكثر من 20 شخصاً للمتابعة والمساءلة، فإنّ تركيز النقاش المجتمعي والإعلامي سلّط عليهم خصيصاً، لا سيما مع ورود معلومات عن تورط شخصيات وازنة أخرى، منها عدد من السياسيين والفنانين ورجال أعمال معروفون. هل ثمة “إسكوبارات” آخرون؟وفي تصريحه لـ”النهار العربي”، رأى رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، أنّ هذه الدينامية لمحاربة الفساد في المغرب بما فيها قضية ما بات يعُرف بـ”إسكوبار الصحراء”، “صحّية”، وقد كشفت عن تورط شخصيتين تسيّران الشأن العام، في الشرق والدار البيضاء، وأظهرت تغلغل الفساد، وإمكان ظهور “إسكوبارات آخرين في مناطق أخرى”. وأكّد الغلوسي أنّ خطورة هذا الملف تكمن في”انتقال الفساد إلى مستويات أخرى، بحيث انتقلنا من مستوى الفساد في الصفقات العمومية، والرشوة واختلاس الأموال العمومية، إلى شبكات دولية متخصّصة في الإتجار الدولي بالمخدرات، وهذا بحدّ ذاته كارثي”. واعتبر أنّ “هذه الشبكات تجاوزت الحدود، وأصبحت تشكّل خطورة على المستويات الاقتصادية والسياسية”، لافتاً إلى أنّ “البحث الذي فُتح في القضية يظهر بالملموس أنّ هناك مفاجآت أخرى، لا من حيث طبيعة الأشخاص أو من حيث الوقائع والمعطيات فحسب”. فساد متغلغلوفي حديثه عن رئيس جهة الشرق، المعتقل عبد النبي بعيوي، قال الغلوسي إنّ “الرجل متورط في قضايا جنائية في فرنسا، قبل أن يدخل إلى المغرب”، متسائلاً عن الجهات التي دفعته إلى تقلّد مناصب مسؤولية، ومراكمة الثروة في هذه السن، حيث أظهرت التحقيقات امتلاكه أكثر من 180 عقاراً. ولفت إلى أنّ “الحديث عن فساد يهدّد الدولة والمجتمع، ليس عبارة إنشائية، لأنّ الأمر يتعلق برئيس جهة على الحدود مع الجزائر، وثاني رئيس مجلس إقليمي للعاصمة الاقتصادية للبلاد، وعندما تتورط مثل هذه الشخصيات في مثل هذه القضايا، ويكثر الحديث عن “إسكوبارات” آخرين في جهات أخرى، فإننا هنا نتحدث عن غرق السفينة”. وبالنسبة للغلوسي، فإنّ المعتقلين هم باختصار لصوص كبار يمشون بيننا نهاراً من دون عقاب، مؤكّداً أنّ قرار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ومعه قاضي التحقيق، فضلاً عن الأبحاث الجنائية التي أنجزتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، تشكّل خطوة إيجابية ومهمّة. وأمام تضرّر سمعته بسبب هذا الملف، خرج حزب الأصالة والمعاصرة المشارك في الحكومة المغربية ليؤكّد أنّ مكتبه السياسي قد سبق له وأخذ علماً بتجميد الانتماء الحزبي لقيادييه، بعد مباشرة البحث معهم، معتبراً أنّ قرار “التجميد الذي كانت المبادرة إليه ذاتية وصادرة عن المعنيين به، كانت الغاية منه عدم التشويش على مسار البحث، وغاية الحقيقة التي يتوق للوصول إليها، وإبعاد الحزب ومؤسساته عن التصرفات الشخصية لبعض من أعضائه، والمتخذة في سياقات لا تحضر فيها صفتهم الحزبية أو الانتخابية”. وعبّر الحزب في بيانه عن ثقته في “مهنية وحيادية المؤسسة الأمنية، وفي استقلالية السلطة القضائية، وعن احترام قرار القضاء العادل والنزيه والتقيّد بمنطوقه، لأنّه عنوان الحقيقة وسيرتب من جانبه الآثار التي يتطلّبها”. ولم يفت الحزب الإشارة بصريح العبارة إلى أنّ “مناضلات الحزب ومناضليه لا يمتلكون أي امتياز، وأنّهم قبل كل شيء مواطنات ومواطنون يتمتعون بالحقوق نفسها وأداء الواجبات على شاكلة الجميع، وهو ما يقدّم دليلاً آخر على أنّ الحزب ليس ملاذاً لأحد ولا يقدّم أي حماية ضدّ إعمال القانون وتنفيذه”.