تفاقم أوضاع السودان مع استمرار توقف الاتصالات واحتدام المعارك بأم درمان والفاشر

1

الحكومة أكدت التزامها بالتفاوض مع “الدعم السريع”، في منبر جدة رافضة نقل التفاوض إلى أي مكان آخر

إسماعيل محمد علي صحافي سوداني

دمرت الحرب المستمرة في البنية التحتية للبلاد وأثارت تحذيرات من المجاعة ودفعت ملايين للنزوح (رويترز)

بات الوضع في السودان بغاية التعقيد بسبب تردي الأوضاع في شتى جوانب الحياة خاصة من ناحية تفاقم أزمة نقص الغذاء بشكل كبير في مناطق الصراع وإيواء النازحين بعدد من الولايات، مما أدى إلى وفيات نتيجة الجوع، وازداد الأمر سوءاً مع تعطل خدمة الاتصالات في كافة أنحاء البلاد لليوم الرابع على التوالي لأن غالبية المواطنين يعتمدون على التطبيقات البنكية لشراء احتياجاتهم، في وقت تشهد المعارك بين الجيش وقوات “الدعم السريع” بالعاصمة الخرطوم وخارجها تصاعداً عنيفاً في ظل مخاوف من ارتكاب انتهاكات واسعة بحق المدنيين من قبل طرفي النزاع في أعقاب توقف شبكات الاتصال والإنترنت.

وتواصلت أمس الجمعة العمليات العسكرية بين الجانبين المتحاربين، حيث تبادلا القصف المدفعي من منصاتهما المختلفة بمدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري، وبحسب مصادر عسكرية فإن “الدعم السريع” استمرت في قصفها لمحيط القيادة العامة للجيش بوسط العاصمة وسلاح الإشارة ببحري، بينما يقوم الجيش ببسط سيطرته على منطقة أم درمان القديمة بعد أن تقدم في عدة محاور بهدف فك الحصار على منطقة سلاح المهندسين الواقع جنوب المدينة.

كما شن الطيران الحربي التابع للجيش غارات جوية عنيفة على مناطق تجمع “الدعم السريع”، شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وسمع دوي الانفجارات وأصوات المضادات الأرضية، مما أثار موجة من الخوف والهلع وسط المواطنين.

وقال الجيش السوداني في بيان على “فيسبوك” إن الفرقة السادسة بالفاشر كبدت عناصر الدعم السريع خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد إثر محاولة تسلل في الاتجاه الشمالي الشرقي للمدينة.

وأكد الجيش في بيانه أن الفرقة السادسة نصبت كميناً محكماً لعناصر “الدعم السريع” و”تمكنت من دحرها وتكبيدها عدداً كبيراً من القتلى والجرحى، كما دمرت عدداً من المركبات القتالية واستلمت أخرى بكامل تسليحها وذخائرها، كذلك تمت مطاردة الميليشيا المدحورة إلى خارج المدينة ورفع القائد الميداني تمام النصر إلى قائد الفرقة اللواء الركن محمد أحمد الخضر”.

وشهدت الفاشر قبل أسبوع معارك ضارية بين الجيش و”الدعم السريع” في أعقاب مقتل أحد أفراد الأخيرة داخل المدينة، مما دفع هذه القوات لمهاجمة المدينة من اتجاهي الشرق والشمال، حيث أدى الهجوم إلى نزوح أعداد كبيرة من المواطنين من الأحياء الشمالية والشرقية إلى الأحياء الجنوبية.

منبر جدة

في الأثناء، أكدت الحكومة السودانية التزامها بالتفاوض مع “الدعم السريع”، في منبر جدة، الذي ترعاه السعودية والولايات المتحدة، رافضة نقل التفاوض إلى أي مكان آخر، لكنها قالت إن “أي تفاوض مع أي جهة إقليمية أو دولية لن يتم إلا عبر منبر جدة”.

وذكر المتحدث باسم الحكومة، وزير الإعلام جرهام عبد القادر، عقب اجتماع مجلسي السيادة والوزراء أن منبر جدة هو الوحيد الذي يتم التفاوض فيه بشأن الحرب.

وأكد عبد القادر أن أي ادعاءات أخرى حول التفاوض سواء عبر الأجهزة الإلكترونية أو في أي مكان آخر، هي معلومات مغلوطة ولا أساس لها من الصحة.

ظلال قاتمة

أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية، حسن بشير محمد نور، قال في حديثه لـ “اندبندنت عربية” أن “الوضع في السودان يتعقد ليس يوماً بعد يوم بل ساعة بعد ساعة، فالحرب تلقي بظلالها القاتمة يومياً على حياة المواطنين”. وأضاف أن “آخر المستجدات استخدام سلاح الاتصالات في الحرب، وهو أمر متوقع لأنها حرب غاشمة يستخدم فيها أي سلاح متاح، بيد أن طرفي الحرب لا يعبئان بما يصيب المواطنين والمؤسسات العامة والبنى التحتية من ضرر، ولا بالأوضاع المتردية التي تسير كل لحظة إلى الأسوأ، فالآن هناك تهديد جدي وخطير للغاية بالمجاعة، حيث يموت أعداد من الناس بالجوع بالمعنى الحرفي، كما أن توقف الاتصالات يؤدي إلى ضمور الحصول على الموارد النقدية من المصارف والتطبيقات البنكية، في وقت يعتمد الكثير من المواطنين سواء في داخل السودان أو خارجه على التحويلات البنكية كوسيلة أساسية للعيش، بالتالي فإن الوضع في غاية من السوء”.

وأضاف محمد نور “للأسف الشديد أن استجابة المجتمع الدولي لنداء الأمم المتحدة بشأن مساعدة المتضررين من حرب السودان ضعيفة على رغم مرور قرابة الـ10 أشهر من الحرب، لذلك فإن هذا التقاعس وعدم الاهتمام بأوضاع السودانيين سيزيد من معاناتهم والتي بلا شك ستستمر حتى تحدث مآسي أكبر وأخشى أن يموت الناس في الشوارع نتيجة لهذا العبس غير المسبوق في التاريخ الحديث للبشرية، فمنذ الحرب العالمية الثانية لم نشهد حرباً بهذا العبث من ناحية العشوائية والفوضى والجوانب المتعلقة بالانتهاكات التي لا حدود لها، فضلاً عن نهب ممتلكات المواطنين والسكن في منازلهم وتدمير البنى التحتية بلا حساب، والعبث بكل المقومات كما حدث مثلاً بالجهاز المصرفي والكهرباء والمياه وأخيراً الاتصالات”.

وفي ما يتعلق بمسألة المفاوضات لإنهاء هذا الصراع، أوضح بأنه “ليس هناك أفق واضح في هذا الشأن، فقوات الدعم السريع تعلن بشكل مستمر في العلن بأنها مستعدة للتفاوض في أي منبر من المنابر وفي أي وقت من الأوقات، أما حكومة الأمر الواقع فهي في حالة مراوغة مستمرة، وفي رأيي أن ما صدر من وزير إعلامها عقب الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء الخميس بأن حكومته على استعداد للذهاب إلى منبر جدة لاستئناف المفاوضات مع الدعم السريع، فهو حديث لا معنى له لأنه لا توجد مفاوضات قائمة الآن، لكن إذا انعقد المنبر مجدداً وتمت دعوتهم لاستئناف المفاوضات سيعودون لوضع الشروط المعروفة بخروج الدعم السريع من منازل المواطنين والمرافق العامة، وهي نفس الشروط التي انتكست بسببها المفاوضات السابقة”.

وواصل أستاذ الاقتصاد السياسي “في رأيي أن القائمين على منبر جدة لن يعودوا لانعقاده مرة أخرى إلا في حال حصل تأكيد تام من طرفي الصراع بأنهما فعلاً سيذهبان للتفاوض بإرادة حقيقية لتحقيق نتائج إيجابية بشأن إيقاف الحرب، فضلاً عن الالتزام بمخرجات ما سيتم الاتفاق عليه”.

ونوه محمد نور إلى أن أي مستقبل للسودان يعتمد على طبيعة الحكم التي ستكون بعد الحرب، فلا بد من أن تجد الحكومة المقبلة القبول الداخلي والخارجي الذي يمكنها من الاستمرارية وممارسة مهامها كما ينبغي ويفتح أمامها سبل الوصول للدعم الخارجي وإقامة الشراكات، إضافة إلى جذب الاستثمار الأجنبي والتحويلات من الخارج. 

اقرأ المزيد
  • مأساة السودانيين تتفاقم والبرهان في أم درمان و”حميدتي” يحذر
  • نزاع السودان يعيد لدارفور ذاكرة الحرب الأهلية
  • العزلة تضرب السودان بعد توقف الاتصالات والجيش يتقدم بأم درمان
  • “الكتلة الديمقراطية” بالسودان… حلول السياسة بين أنياب العنف

انتهاكات مروعة

حقوقياً، كشف تقرير صادر عن شبكة نساء القرن الأفريقي “صيحة” عن “انتهاكات مروعة ارتكبتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، بعد اجتياحها في 18 ديسمبر (كانون الأول)، حيث مُنع المدنيين من مغادرة الولاية وتعرضوا للابتزاز والإساءة والعنف الجسدي الذي وصل درجة القتل”.

وجمعت الشبكة إفادات من القرى التي تعرضت لاعتداءات شملت القتل والنهب والعنف الجنسي، حيث تم استهداف مراكز بحوث ومرافق تخزين الحبوب وعدد من المدارس والمستشفيات والمرافق الحكومية والبنوك.

وأشار التقرير إلى مقتل 25 مدنياً على يد قوات الدعم السريع، بينما قتل 10 آخرون بقصف الطيران الحربي التابع للجيش في منطقة الحاج عبد الله. كما تم تسجيل حالات اختفاء لنحو 3 سيدات على الأقل، لافتاً إلى تعرض حوالى 25 فتاة للاغتصاب والضرب والقتل في بعض الأحيان.

وطالبت الشبكة بتنفيذ فوري لإطار متكامل لحماية المدنيين يستجيب ويتضمن احتياجات النساء والفتيات ويضمن الوصول من دون عوائق إلى المساعدات الإنسانية، على أن يتضمن الإطار الوقف الفوري للأعمال العدائية، والإشراف على تنفيذ ذلك برقابة دولية على الأرض، فضلاً عن إنشاء مناطق آمنة للمدنيين.

وأضافت “نريد أن يتم ذلك بالتزامن مع عملية سياسية واسعة النطاق وشاملة بقيادة مدنية يتحقق فيها للنساء أدوار قيادية وفعالة”. 

كما أوصى التقرير بإنشاء محكمة جنائية دولية على غرار المحكمة المنشأة للنظر في جرائم الإبادة الجماعية في رواندا، وذلك للنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال الحرب في السودان.

ونوه إلى ضرورة الضغط على القوات المسلحة السودانية للجلوس إلى طاولة المفاوضات من خلال عملية سياسية جادة وقابلة للاستمرار بمشاركة قوى المجتمع المدني السوداني بما في ذلك النساء والشباب على أن تضمن تلك العملية بشكل واضح عدم مشاركة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في أي من هياكل الحكم في السودان.

إطلاق أسرى

إلى ذلك، أوضح المستشار القانوني لقوات الدعم السريع محمد المختار النور، بأنه تم تشكيل لجنة مشتركة مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، لتنفيذ بنود اتفاق أديس أبابا، الخاص هذه القوات بإطلاق سراح 450 أسيراً من القوات المسلحة.

وأوضح النور أن الترتيبات تجري من خلال اللجنة المشتركة لإطلاق سراحهم خلال 4 أو 5 أيام، بعد اكتمال الإجراءات الإدارية الخاصة بالدعم السريع، وكذلك ببعض المنظمات المعنية مثل الصليب الأحمر الذي لا بد من التنسيق معه في عمليات إطلاق سراح الأسرى.

ولفت إلى أنهم خاطبوا (تقدم) رسمياً بأن الدعم السريع جاهز لتفعيل اللجنة لتنفيذ كل النقاط التي تم الاتفاق عليها وأن إطلاق سراح الأسرى سيكون من أولويات عمل هذه اللجنة.

ونوه إلى أن القيادة الميدانية قامت بإعداد كشوفات المشمولين بقرار إطلاق سراح الأسرى. كما أن الهيئة الخاصة بحقوق الإنسان في قوات الدعم السريع قامت بمخاطبة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لوضعهم في صورة التطورات وليكون ممثليهم حاضرين ليتم تسليم الأسرى إلى عائلاتهم عبر الصليب الأحمر.

وأشار المستشار القانوني لـ “الدعم السريع” إلى أن الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم هم من منسوبي القوات المسلحة الذين تم أسرهم خلال المعارك وأن الكشوفات لم تضمن أي مدنيين وأنه في حال اتضح أن هناك مدنيين تم اعتقالهم خلال المعارك فحينها سيتم توضيح الأمر.

سوء التغذية

دولياً، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” من احتمال معاناة 700 ألف طفل في السودان من أخطر صور سوء التغذية هذا العام، مع احتمال وفاة الآلاف.

وأشار المتحدث باسم “يونيسيف” جيمس إلدر إلى إن المنظمة لن تتمكن من علاج أكثر من 300 ألف من هؤلاء من دون تحسين إمكانية الوصول ومن دون دعم إضافي، وفي هذه الحالة، سيموت عشرات الآلاف على الأرجح.

وتوقع أن يعاني 3.5 مليون طفل من سوء تغذية حاد وشديد يجعل الطفل أكثر عرضة للوفاة بنحو 10 أمثال بسبب أمراض مثل الكوليرا والملاريا. وبيّن أنه على رغم من حجم الاحتياجات، لم يتسن الحصول على التمويل الذي سعت إليه “يونيسيف” في 2023 لنحو 3 أرباع الأطفال في السودان.

ودعت الأمم المتحدة الدول إلى عدم نسيان المدنيين الذين يعانون من الحرب في السودان، وحثّت على جمع 4.1 مليار دولار لتلبية احتياجاتهم الإنسانية، ودعم أولئك الذين فروا إلى دول مجاورة.

وتوفر “يونيسيف” للسودان أغذية علاجية جاهزة للاستخدام، وهي مواد غذائية منقذة للحياة تعالج الهزال الشديد لدى الأطفال دون سن الخامسة، حاثة إلى جمع 840 مليون دولار لمساعدة ما يزيد قليلاً عن 7.5 مليون طفل في السودان هذا العام، لكن المتحدث باسم “يونيسيف” أبدى أسفه لعدم كفاية الأموال التي تم جمعها في النداءات السابقة.

ويحتاج نصف سكان السودان، أي نحو 25 مليون شخص، إلى المساعدة الإنسانية والحماية، في حين فرّ أكثر من 1.5 مليون شخص إلى أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.

ودمرت الحرب المستمرة منذ 10 أشهر في البنية التحتية للبلاد، وأثارت تحذيرات من المجاعة ودفعت ملايين للنزوح داخل البلاد وخارجها.

التعليقات معطلة.