24 ـ طارق العليان
قال الكاتب والمحلل الجيوسياسي أندرو كوربيكو إن أي تقارب محتمل بين روسيا والولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا قد يفضي إلى تحول عميق في بنية الاقتصاد العالمي، عبر تقليص الدور المركزي للصين في سلاسل الإمداد العالمية، لا سيما في مجالات الطاقة والمعادن الحيوية، مضيفاً أن هذا السيناريو سيمنح روسيا موقعاً جديداً في قلب النظام الاقتصادي الدولي، بدلاً من بقائها على الهامش.
وأوضح كوربيكو، المحلل الجيوسياسي المتخصص في العلاقات الدولية وتوازنات القوى الكبرى، في تحليل بموقع “آسيا تايمز”، أن التعاون الاستراتيجي في استثمارات الموارد بعد التسوية الأوكرانية، خصوصاً في الطاقة والمعادن النادرة، يمكن أن يساعد الولايات المتحدة وحلفاءها على تعزيز قدراتهم التنافسية الاقتصادية في مواجهة الصين.
مواجهة الصين عبر سلاسل الإمداد
أشار الكاتب إلى أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة لا تركز في جوهرها على المواجهة العسكرية مع الصين بقدر ما تركز على التنافس الاقتصادي وتأمين سلاسل التوريد الحيوية. وأضاف أن القسم الآسيوي من الاستراتيجية يبرز بوضوح دور الحلفاء في مساعدة الغرب على تقليص اعتماده على الصين، لا سيما في مجال المعادن الأساسية.
وتابع التحليل أن الوثيقة الأمريكية تقترح بالفعل تعاوناً مشتركاً في أفريقيا بشأن المعادن الحيوية، بهدف تقليل الاعتماد الجماعي على سلاسل الإمداد الصينية، وهو ما يفتح الباب، وفق الكاتب، لتوسيع هذا النموذج ليشمل روسيا.
كوشنر وويتكوف يصلان برلين لمناقشة خطة ترامب لوقف حرب أوكرانيا – موقع 24
وصل مبعوثان أمريكيان، اليوم الأحد، إلى برلين لإجراء جولة جديدة من المحادثات التي تهدف إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا.
مخزون استراتيجي غير مستغل
وأوضح الكاتب أن روسيا تمتلك ثروات هائلة من المعادن الحيوية، وأن تطوير هذه الموارد يمكن أن يشكل ركيزة أساسية لأي تقارب جديد مع واشنطن. وأضاف أن إدماج روسيا في هذه المعادلة سيخدم الأهداف الأمريكية تجاه الصين، وفي الوقت نفسه يمنع موسكو من الوقوع في اعتماد مفرط على بكين.
وأشار كوربيكو إلى أن هذا التعاون قد يمتد ليشمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويين، مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، عبر منحهم إعفاءات جزئية من العقوبات الثانوية الأمريكية مقابل التزام روسيا باتفاق سلام في أوكرانيا.
العقوبات بوصفها أداة تحفيز لا عقاب
قال الكاتب إن الولايات المتحدة يمكن أن تستخدم الإعفاءات القطاعية من العقوبات الثانوية كحافز لروسيا، وليس فقط كأداة ضغط. وأضاف أن هذه الإعفاءات قد تشمل قطاعات الطاقة والتكنولوجيا، ما يفتح الباب أمام وصول شركاء واشنطن إلى مشاريع ضخمة مثل الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي.
وأوضح التحليل أن هذا النهج سيقلل في الوقت نفسه من اعتماد روسيا على الرقائق الصينية، كما يمنح واشنطن وحلفاءها تنويعاً أكبر في مصادر التكنولوجيا والطاقة.
الاتحاد الأوروبي يستعد لتجميد الأصول الروسية لأجل غير مسمى – موقع 24
يستعد الاتحاد الأوروبي، اليوم الجمعة، فيما يبدو لتجميد أصول البنك المركزي الروسي المودعة في أوروبا إلى أجل غير مسمى، في خطوة تزيل عقبة كبرى أمام استخدام هذه الأموال لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.
شبكة مصالح
أشار الكاتب إلى أن النتيجة المحتملة لهذا التقارب ستكون نشوء اعتماد استراتيجي متبادل معقد، يخدم مصالح الطرفين. فمن جهة، ستتراجع الضغوط الأمريكية على روسيا عبر محيطها الجغرافي، سواء في أوروبا أو القطب الشمالي أو شرق آسيا. ومن جهة أخرى، ستكتسب روسيا أهمية أمنية واقتصادية جديدة تجعل استقرارها مصلحة دولية لا عبئاً سياسياً.
وأضاف كوربيكو أن موسكو طالما سعت إلى هذا الموقع منذ عقود، وقد يكون بات في متناول اليد إذا ما التزمت باتفاق سلام برعاية أمريكية في أوكرانيا.
تقليص التبعية للصين
وتابع الكاتب أن هذا السيناريو يمنح روسيا حافزاً قوياً للالتزام بالسلام، لأنه يحول دون تحول علاقتها مع الصين إلى شراكة غير متكافئة تكون فيها موسكو الطرف الأضعف. وبدلاً من ذلك، تصبح الصين مجرد شريك من بين عدة شركاء استراتيجيين متقاربين في الوزن.
وقال الكاتب إن الولايات المتحدة وحلفاءها الآسيويين، في هذه الحالة، سيكونون عملياً يدفعون لروسيا مقابل التزامها بالسلام، لكن هذا الدفع يتمثل في اندماج اقتصادي منضبط يخدم أهدافهم الاستراتيجية الأوسع.
“مستاء للغاية”.. ترامب يطلب “أفعالاً” لإنهاء حرب أوكرانيا – موقع 24
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض الخميس، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “مستاء للغاية” من أوكرانيا وروسيا، مشدّدة على أنه يريد راهناً “أفعالاً” لوضع حد للحرب.
اقتصاد عالمي بلا مركز
خلص أندرو كوربيكو إلى أن إحياء تقارب روسي – أمريكي قد يقود إلى إعادة تشكيل جوهرية للاقتصاد العالمي، عبر كسر المركزية الصينية في سلاسل الإمداد الحيوية. وأضاف أن روسيا، بفضل مواردها الاستراتيجية، قد تنتقل من موقعها الحالي على هامش النظام الاقتصادي العالمي إلى موقع مركزي مؤثر.
وختم الكاتب بالقول إن هذا التحول، إذا ما تحقق، لن يخدم فقط المصالح الأمريكية وحلفاءها في مواجهة الصين، بل سيحقق أيضاً الهدف الاقتصادي الأكبر لروسيا المتمثل في استعادة دورها بوصفها قوة محورية في الاقتصاد العالمي، لا مجرد لاعب معزول على أطرافه.

