تقاسم سوريا بين تركيا وإسرائيل وصولاً للعراق

12

 

منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، أصبحت سوريا ساحة لتصارع القوى الإقليمية والدولية، حيث تتشابك المصالح وتتقاطع السياسات. وفي السنوات الأخيرة، برزت ملامح جديدة تشير إلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، مع بروز تركيا وإسرائيل كفاعلين رئيسيين في تقاسم النفوذ على الأراضي السورية، وسط غياب واضح لدور عربي مؤثر .

التدخل التركي: النفوذ شمالاً

بدأت تركيا تدخلها في سوريا تحت مظلة محاربة الإرهاب وحماية حدودها من التهديدات الكردية، خصوصاً مع صعود وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة أمريكياً. وسعت أنقرة إلى توسيع نفوذها شمال سوريا عبر عمليات عسكرية متتالية، بدءاً من “درع الفرات” إلى “غصن الزيتون” و”نبع السلام”.

هذه العمليات مكّنت تركيا من السيطرة على أجزاء واسعة من الشمال السوري، حيث أقامت مناطق عازلة ونشرت قواتها هناك. تركيا لا تخفي أطماعها في استعادة نفوذها العثماني القديم، وتعمل على تغيير ديموغرافي في المناطق التي تسيطر عليها، من خلال تهجير السكان الأصليين وإعادة توطين اللاجئين السوريين الموالين لها .

الدور الإسرائيلي: النفوذ جنوباً

على الجبهة الجنوبية، تركز إسرائيل على منع تعاظم النفوذ الإيراني في سوريا. وقد كثفت غاراتها الجوية ضد مواقع إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله، مع سعي واضح لإبقاء سوريا ضعيفة وممزقة.

إسرائيل، التي ظلت لسنوات تعتمد على مبدأ “عدم التدخل المباشر”، أصبحت أكثر جرأة في تحركاتها داخل سوريا، ليس فقط عبر الضربات الجوية، بل أيضاً من خلال تعزيز علاقاتها مع بعض الفصائل المحلية المعارضة للنظام، بهدف خلق منطقة عازلة في الجولان المحتل .

التقاطع بين تركيا وإسرائيل: مصالح مشتركة
رغم التباين الظاهري بين أنقرة وتل أبيب، إلا أن هناك تقاطعات واضحة في أهدافهما داخل سوريا. كلا الطرفين يسعى إلى تقليص النفوذ الإيراني، وضمان مصالحه الأمنية والاقتصادية .

تركيا ترغب في منع إقامة كيان كردي مستقل على حدودها، بينما تسعى إسرائيل لمنع تحول سوريا إلى قاعدة عسكرية لإيران وحزب الله. هذا التنسيق غير المعلن بين الطرفين يبدو أنه يُرسي قواعد تقاسم النفوذ في سوريا.

الوصول إلى العراق: البوابة الأوسع
لا يتوقف المشهد عند حدود سوريا؛ إذ يمتد تأثير هذا التقاسم ليشمل العراق، الذي يمثل الحلقة الأضعف في المنطقة. النفوذ الإيراني المتنامي في العراق جعل منه ساحة جديدة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.

تركيا، التي تمتلك مصالح اقتصادية وسياسية كبيرة في العراق، تسعى لتعزيز نفوذها عبر التدخلات العسكرية في إقليم كردستان ومناطق أخرى بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني. أما إسرائيل، فتسعى من خلال تحالفات غير معلنة مع بعض القوى العراقية إلى تقليص النفوذ الإيراني وضمان استقرار مصالحها الاستراتيجية.

النتائج المحتملة
تقاسم سوريا بين تركيا وإسرائيل، مع امتداد تأثير هذا التقاسم إلى العراق، يضع المنطقة أمام سيناريوهات خطيرة. فبدلاً من تحقيق الاستقرار، تعمّق هذه التحركات الانقسامات وتكرّس منطق الاحتلال والتبعية.

العراق وسوريا، كونهما مركزين حضاريين وتاريخيين، يدفعان ثمن ضعف الأنظمة المركزية وتآكل السيادة الوطنية. ومع غياب مشروع عربي جامع لمواجهة هذه التحديات، يبقى مستقبل المنطقة مرهوناً بتوازنات القوى الإقليمية والدولية، التي قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية بما يخدم مصالحها، دون أي اعتبار لإرادة الشعوب .

المشهد الحالي يؤكد أن سوريا والعراق ليسا سوى ساحة جديدة في لعبة الأمم، حيث تتقاسم القوى مصالحها دون اكتراث بمعاناة الشعوب. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستبقى شعوب المنطقة رهينة لهذا التقاسم، أم ستنجح في استعادة سيادتها وفرض إرادتها؟

التعليقات معطلة.