تقرير: الذكاء الاصطناعي يشعل السباق نحو يوم القيامة

4

– شهم محمد
منذ عقود، ظلّت القرارات النووية في الولايات المتحدة محاطة بجدار سميك من السرية والتقييد، حيث بقي الإنسان – ممثلاً بالرئيس والقيادات العليا – هو صاحب الكلمة الأخيرة في الضغط على الزر.
صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية قالت في تقرير إن التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي تثير اليوم سؤالاً مرعباً، إن كان العالم يقترب العالم من لحظة تصبح فيها الخوارزميات هي من تقرر الحرب النووية أو السلم؟.
سباق محموم مع الصين وروسيا
وفقا للتقرير تسابق وزارة الدفاع الأمريكية الزمن لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في أنظمتها العسكرية، سعياً لمجاراة الصين وروسيا، اللتين حققتا تقدماً ملحوظاً في هذا المضمار.
ويخشى خبراء أن هذا السباق لا يتم وفق حسابات سياسية باردة، بل تحت ضغط الخوف من التخلف عن الخصوم، وهكذا، يجد البنتاغون نفسه في معركة لا تقل خطورة عن سباق التسلح النووي في الحرب الباردة، لكن بواجهة جديدة: المعالجات والخوارزميات.
كيف دفعت حرب غزة إسرائيل لتكثيف اعتمادها على الذكاء الاصطناعي؟ – موقع 24
في خضم الحرب المتواصلة في غزة، طوّرت إسرائيل أدوات جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي، بهدف تحقيق تفوق عسكري ميداني. إلا أن بعض هذه الأدوات، كما يشير تقرير للصحفيين شيرا فرينكل وناتان أودنهايمر في صحيفة “نيويورك تايمز”، تسببت في أحيان كثيرة بعواقب خطيرة.
نتائج مقلقة من المحاكاة
الصحيفة تسلط الضوء على دراسة أجرتها الباحثة جاكلين شنايدر من جامعة ستانفورد.
فقد نظمت محاكاة حربية معتمدة على نماذج لغوية متقدمة مثل” GPT-4 وClaude 2 وLlama-2″ و النتيجة تظهر أن النماذج لم تذهب غالباً نحو خفض التوتر أو احتواء التصعيد، بل أبدت ميلاً متكرراً لاستخدام القوة المفرطة والتلويح بالأسلحة النووية كخيار ردعي.
وتقول شنايدر: “الذكاء الاصطناعي يفهم التصعيد لكنه لا يفهم التهدئة”، وهي عبارة تختصر حجم الخطر الكامن في تسليم هذه النماذج قراراً مصيرياً يتعلق بالحياة والموت.
الفجوة بين المبادئ والتطبيق
رسمياً، تؤكد وزارة الدفاع الأمريكية أن الإنسان سيبقى في دائرة القرار، وأن لا سلاح فتاكاً سيُطلق دون مراجعة بشرية.
لكن على أرض الواقع، تسير التطورات التقنية في اتجاه مغاير، فهناك أنظمة دفاعية وهجومية يجري تطويرها اليوم تعمل بسرعة تتجاوز قدرة البشر على المواكبة.
وفي حال اندلاع حرب إلكترونية أو صاروخية خاطفة، قد يصبح الاعتماد على هذه الأنظمة شبه حتمي، مما يعني أن دور الإنسان سينكمش تدريجياً إلى مجرد مراقب.
أشباح الحرب الباردة تعود
التقرير يقارن هذا الوضع بما عرف في الاتحاد السوفيتي بـ”اليد الميتة”، وهو نظام آلي يضمن إطلاق ضربة نووية انتقامية حتى في حال تدمير القيادة السياسية والعسكرية.
تقول الصحيفة إن واشنطن اليوم تتجه نحو نسخة رقمية من هذا الكابوس، حيث يتولى الذكاء الاصطناعي إدارة معطيات ساحة المعركة واتخاذ قرارات آنية، والخطر أن هذه النماذج ليست مفهومة بالكامل حتى من صانعيها، فهي بمثابة صندوق أسود قد يتخذ قراراً كارثياً من دون أن يعرف أحد لماذا.
ويشير التقرير إلى أصوات داخل المؤسسة العسكرية تحذر من مغبة الاقتراب أكثر من الخط الأحمر.
هل يقود سباق الذكاء الاصطناعي إلى حرب بين واشنطن وبكين؟ – موقع 24
يبدو أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي قد تتصاعد إلى حد الصراع العسكري إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح.
وقال كريستيان بروز، المسؤول السابق في إدارة بوش، صراحة: “لا أريد للذكاء الاصطناعي أن يقترب من التحكم بالأسلحة النووية”.
في المقابل، هناك من يرى أن وتيرة الحروب الحديثة تجعل الاعتماد الكامل على البشر ترفاً غير ممكن، وأن دمج الذكاء الاصطناعي بات ضرورة لا مفر منها لتفادي الهزيمة أمام الخصوم.
ساعة رملية
المقلق، كما ترى الصحيفة، أن كل هذه النقاشات تدور في وقت قصير جداً قبل أن تصبح الأنظمة الجديدة أمراً واقعاً.
ويؤكد الباحثون أن فهم آليات الذكاء الاصطناعي وضبطه يحتاج إلى سنوات من التجارب والرقابة، بينما التطوير العسكري يجري بسرعة أكبر بكثير.
وفي حال وقوع خطأ أو قراءة خاطئة لمعطيات ميدانية، قد تجد البشرية نفسها أمام سلسلة قرارات آلية لا يمكن وقفها، تماماً كما في أفلام الخيال العلمي التي تنتهي بالكارثة.
وأشار التقرير إلى أن بعض المتفائلين يستحضرون سيناريو فيلم “WarGames” الشهير، حيث توصل الكمبيوتر في النهاية إلى أن الحرب النووية لعبة لا رابح فيها.
الذكاء الاصطناعي يقود ثورة الطائرات المسيرة خلال الحرب الأوكرانية – موقع 24
في حقل مفتوح بريف أوكرانيا، فقدت طائرة مسيرة مزودة بقنبلة، الاتصال بمشغلها على الأرض، بعد تعرضها لهجوم بمعدات للتشويش الإلكتروني، ولكن بدلاً من تحطمها على الأرض، واصلت طريقها نحو هدفها ودمرته.
ويختم التقرير بالتحذير من أن الرهان على أن الخوارزميات ستكتشف هذه الحقيقة في الوقت المناسب، يبدو أشبه بالمقامرة بمستقبل الإنسانية، مؤكداً أن غياب ضوابط صارمة وشفافية حقيقية، قد تجعل العالم بالفعل يخطو نحو يوم القيامة الرقمي، حيث تملك آلة بلا ضمير القرار الأخير بشأن بقاء البشرية، وفق التقرير.

التعليقات معطلة.