أثار قرار زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، يوم الجمعة الماضي، بتجميد كافة أنشطة التيار لمدة عام كامل تكهنات كثيرة بشأن مشاركة الصدريين في المشهد السياسي خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً مع قرب إجراء انتخابات لمجالس المحافظات نهاية العام الحالي، فيما أكد مراقبون أنّ قرار الصدر يمكن التراجع عنه حسب الظروف السياسية خلال المرحلة المقبلة.
وأعلن الصدر، في بيان له في 14 من الشهر الحالي، تجميد التيار الصدري لأنشطته لمدة لا تقل عن عام. وجاء قرار الصدر بعد إعلان مجموعة من داخل التيار تطلق على نفسها اسم “أهل القضية” عبر تسجيلات مصورة بثتها على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت إنّها قررت مبايعة مقتدى الصدر على أنّه “الإمام المهدي المنتظر”.
وجاءت في بيانات ولقطات مصورة لتلك المجموعة تأكيدات أنّهم سيحشدون أمام منزل الصدر في النجف لإقناعه بالعدول عن عزلته والعودة مجدداً إلى “الإصلاح”.
وفور ظهور التسجيلات، قرر الصدر إغلاق الاعتكاف في مسجد الكوفة التاريخي، وكذلك إيقاف أنشطة دينية مختلفة للتيار، وهاجم في بيان له أصحاب تلك الدعوة.
وبعد ساعات من ذلك، أعلن مجلس القضاء الأعلى عن اعتقال 65 شخصاً من المنتمين لما يسمى بـ”أهل القضية”، ووصفهم بـ”العصابة”، بتهمة الإخلال بالأمن المجتمعي وإثارة الفتنة.
وقالت صحيفة العربي الجديد في تقرير تابعته “المطلع”، إنّ “أعداد ما يسمون بأهل القضية يبلغون مئات من داخل التيار الصدري، لكن بالفترة الأخيرة تنامت وتحولت إلى تكتل داخل التيار يدعي أنّ الصدر هو الإمام المنتظر، ويكثر وجودهم في محافظتي ميسان والنجف.
وأضافت أنّه “سبق لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قبل عدة سنوات أن طرد عدداً من أصحاب تلك الدعوة ورفض التعامل معهم، ووصفتهم بأنهم أصحاب فهم ديني قاصر”.
ونقلت الصحيفة عن قيادي صدري لم تسمه قوله، أنّ “قرار تجميد التيار تنظيمي، وليس له أي علاقة بالمشهد السياسي المُقاطع أساساً”.
وبيّن المسؤول أنّ “معلومات وصلت إلى قيادة التيار الصدري بشأن تحركات لما يسمون بأهل القضية ينوون القيام بها خلال الاعتكاف، ومنها نصب خيام اعتصام أمام منزل الصدر في الحنانة، من أجل بيعته كـ”إمام الزمان”، وهو أمر من شأنه إحراج الصدر ووضعه في خانة اتهامات معروفة ومسبقة”.
ولم يستبعد أنّ تكون هناك “أطراف لها يد في هذا التحرك”، وأن “هذا التحرك ربما يشكل خطورة على حياة وسلامة زعيم التيار الصدري، ولهذا تم إيقافه من خلال تجميد التيار بغرض إنهاء هذه العناصر، التي أصبحت معروفة لدى قيادة التيار”.
وأضاف القيادي البارز في التيار الصدري أنّ “تجميد التيار لا يعني أن الصدريين لن تكون لهم مشاركة في الانتخابات المقبلة، سواء المحلية أو البرلمانية، فهذا القرار لم يتخذ حتى الساعة، وهو محل بحث ومناقشة منذ فترة طويلة ما بين الصدر والمقربين منه، وهناك احتمالية كبيرة جداً بدخول الصدريين وبقوة في الانتخابات المقبلة، لكن يبقى القرار بيد الصدر حصراً، فهو لم يقرر ذلك حتى الساعة”.
وختم المتحدث قوله إنّ “تجميد التيار الصدري لا يعني عدم عودة الصدر وتياره للحياة السياسية، بل هذه الخطوة تنظيمية وليس لها أي علاقة بالقضايا السياسية، وفي الفترة المقبلة سوف تصدر قرارات من قيادة التيار بشأن تصفيته مما يسمى بـ”أهل القضية”، وقرارات أخرى تتعلق بالتنظيم الداخلي لمفاصل التيار، بما في ذلك المفاصل السياسية”.
من جهته، قال رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري، إنّ “تجميد التيار الصدري من قبل الصدر قرار مرتبط بجانب ديني عقائدي أكثر مما هو مرتبط بجانب سياسي، والصدر يريد من هذا القرار إعادة هيكلة التيار من الناحية العقائدية، وهذا التصحيح الداخلي على المستوى العقائدي يعمل على ترصين القاعدة الشعبية الصدرية، ويدفع نحو المزيد من التواصل ما بين الصدر وأنصاره”.
وأضاف الشمري: “لا نعتقد أنّ تجميد التيار الصدري لمدة عام سوف تنهي آمال عودة الصدر إلى المشهد السياسي، فالصدر سبق له أن اعتزل وعاد للمشهد السياسي، وأعلن مقاطعة الانتخابات وأعاد مرة أخرى للمشاركة في الانتخابات، بحسب الظروف، فالتحديات السياسية التي قد يواجهها الصدريون، بالإضافة إلى طبيعة الأداء السياسي للإطار التنسيقي باتجاه إنهاء المستقبل السياسي للتيار الصدري، فضلاً عن عدم وجود منجز كبير لحكومة محمد شياع السوداني، إضافة إلى كثير من الأحداث، قد تجعل الصدر لا يتردد في العودة وبقوة للمشهد السياسي”.
وبين رئيس مركز “التفكير السياسي” أنّ “مشاركة التيار الصدري في الانتخابات المقبلة، سواء المحلية أو البرلمانية، ممكن جداً، فالقرارات الملفتة تفرد بها زعيم التيار مقتدى الصدر، وتجميد التيار لمدة عام قد لا يستمر، بقدر ما يكون هناك قرار يمكن من خلاله العودة السريعة للصدريين للمشهد السياسي وكافة أنشطته السابقة”.
وللمرة الأولى منذ عام 2005، تتشكل الحكومة العراقية بدون مشاركة التيار الصدري، الذي استقال نوابه بشكل نهائي من البرلمان في يونيو/ حزيران الماضي، بعد إخفاقه في تشكيل حكومة الأغلبية السياسية التي عمل عليها زعيم التيار مقتدى الصدر، وهي التحالف مع “تحالف السيادة” بزعامة خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، إضافة إلى دعم هذا المشروع من نواب مستقلين.