بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يأخذ التهديد الروسي على محمل الجد، فبعد أن تعهّد بإرسال شحنات جديدة من الأسلحة إلى أوكرانيا وهدد بفرض تعريفات ثانوية مدمرة إذا لم تسعَ روسيا للسلام خلال 50 يوماً، وجّه ترامب انتقادات لاذعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واصفاً مبادراته السلمية بأنها “كلام فقط دون أفعال”.
وعلى الرغم من هذه التوبيخات، حافظ ترامب على أمله في أن يُقدم بوتين على اتخاذ خطوات نحو السلام في أوكرانيا قبل انتهاء مهلة الـ50 يوماً، غير أن هذا التفاؤل لا يعكس المزاج السائد حالياً في الكرملين، وفق تقرير لصحيفة “تلغراف” البريطانية.
ارتياح روسي
فقد استُقبل إعلان ترامب الكبير في موسكو بالارتياح وليس بالذعر. حيث ارتفع مؤشر بورصة موسكو بنسبة 2.7 في المائة، وارتفع الروبل الروسي بنسبة 0.8 في المائة مقابل اليوان الصيني. وكان المسؤولون الروس يخشون فرض عقوبات جديدة شاملة، وسعدوا لرؤية أن ترامب مستعد فقط لفرض تعريفات غير قابلة للتنفيذ إلى حدّ كبير ضد دول البريكس.
أما الخطاب الصادر عن الدائرة المقربة من بوتين من المتشددين، فظلّ عدائياً كما كان. فقد هدّد الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف بضرب الدول الغربية إذا ما قامت بتصعيد الحرب في أوكرانيا.
كما حثّ معلق الدفاع في قناة روسيا-1، إيغور كوروتشينكو، روسيا على تكثيف ضرباتها للبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، معرباً عن أمله في أن تُجبر هذه الهجمات أوكرانيا على الاستسلام خلال 50 يوماً.
ويحوّل الجيش الروسي هذا الخطاب العدائي إلى أفعال هجومية. ففي 16 يوليو (تموز)، أطلقت روسيا أكثر من 400 صاروخ وطائرة مسيرة على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا.
كما حشدت 160,000 جندي في محيط كوبيانسك في خاركيف وفي ساحات المعارك في دونيتسك مثل بوكروفسك وكوستيانتينيفكا. ومن المتوقع أن تبدأ روسيا هجوماً صيفياً واسع النطاق في شرق أوكرانيا خلال أيام.
“ترامب لا يرد بالقوة الكافية”
تشير هذه الإشارات التحذيرية بحسب الصحيفة، إلى أن ترامب لا يرد بالقوة الكافية ضد روسيا، إذ إن هناك حاجة إلى نهج حقيقي للضغط الأقصى لإجبار بوتين على قبول اتفاق سلام في أوكرانيا. وينبغي أن يتكوّن هذا النهج من 3 مكونات مترابطة.
المكوّن الأول هو إزالة الثغرات في نظام العقوبات التي توفر لروسيا الموارد اللازمة لمواصلة عدوانها. فعلى الرغم من أن شركة روساتوم تشارك في احتلال محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا وساعدت في برنامج إيران النووي المدني، امتنعت الولايات المتحدة عن فرض عقوبات عليها. وقد سمح هذا الاستثناء لروساتوم باستغلال هيكلها المؤسسي المعقد وتمويل الصناعات الدفاعية الروسية بحسب الادعاءات.
وبدلاً من فرض تعريفات ثانوية على المستوردين من روسيا، يجب على الولايات المتحدة فرض عقوبات محددة على المصافي التي تنتج النفط الروسي.
ويقدّر المحلل في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، فايبهاف راغهوناندا، أن هذه العقوبات ستحرم الكرملين من 750 مليون دولار من العائدات الضريبية السنوية.
كما يجب تكثيف العقوبات على أسطول الظل حتى يتم تصنيف الـ600 ناقلة تقريباً التي تستخدمها روسيا، كما تقول الصحيفة، مشيرة إلى أنه على الولايات المتحدة أن تنسق مع الاتحاد الأوروبي لكبح ثغرات التحايل على العقوبات الروسية منذ بداياتها. إذ أن نظام العقوبات في جوهره تفاعلي بطبيعته، وهذا يسمح لروسيا بصقل تقنيات التحايل قبل أن تتمكن القوى الغربية من الرد.
أما المكوّن الثاني فهو توسيع مجموعة الأسلحة التي تصل إلى أوكرانيا. من المرجح أن تتضمن حزمة الأسلحة الممولة من حلفاء ترامب في الناتو بطارية دفاع جوي من نوع باتريوت وصواريخ ATACM بعيدة المدى.
وعلى الرغم من أن مبلغ 10 مليارات دولار يبدو كبيراً، من المهم التأكيد على أن بطاريات باتريوت تكلّف مليار دولار لبنائها، وتكلّف صواريخها الاعتراضية 3.7 مليون دولار للواحد، فيما تكلّف صواريخ ATACM مليون دولار لكل صاروخ.
وبالنظر إلى هذه التكاليف البنيوية، فإن حجم حزمة الأسلحة الحالية غير كافٍ لردع روسيا. فبينما تستهلك أوكرانيا 2 مليون قذيفة مدفعية سنوياً وتواجه جيشاً روسياً مزوداً بكميات هائلة من قذائف مدفعية كورية شمالية، تحتاج الولايات المتحدة إلى زيادة صادراتها من المدفعية إلى أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن ترامب امتنع في النهاية عن تصدير صواريخ توماهوك المجنحة إلى أوكرانيا والتي يمكنها ضرب موسكو، ينبغي إعادة النظر في نقل هذه الأسلحة إذا اختار بوتين التصعيد خلال مهلة الخمسين يوماً.
“الوصفة الخارقة”
والمكوّن الثالث بحسب الصحيفة، هو دعم قطاع الدفاع المحلي المبتكر للغاية في أوكرانيا. ففي الأشهر الأخيرة، ابتكر الجيش الأوكراني طائرات مسيرة اعتراضية منخفضة التكلفة للتصدي لأسراب الطائرات المسيرة الروسية، وكشف عن صواريخ نبتون المضادة للسفن التي يصل مداها إلى 1000 كم.
وبسبب حجم هذا الابتكار المحلي، قدّم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عرضاً وصفه بـ”الصفقة الخارقة” لترامب، يتضمن تزويد الولايات المتحدة بتقنيات الطائرات المسيرة الأوكرانية مقابل حصول أوكرانيا على الأسلحة الأمريكية.
وينبغي على ترامب أن ينظر في هذا العرض بجدية، لأنه سيضمن قدرة أوكرانيا على الصمود على المدى الطويل ويعزز أمن حلف الناتو بأكمله.
واختتمت الصحيفة بالقول: “في سعيه لتحييد برنامج إيران النووي، نجح ترامب في الجمع بين تكتيكات الضغط والمخاطرة المحسوبة. يجب على ترامب أن يكرر بعض عناصر هذه الصيغة لإجبار بوتين على السلام”.